ظهراني أهل الكفر ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه، فلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به، فهذا والله أعلم هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظهر الغيب، فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة انتهى.
قلت: قوله إنه كان يكتم إيمانه منظور فيه.
وقال الخطابي: وقد ذهب بعض العلماء إلى كراهة الصلاة على الميت الغائب وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بهذا الفعل إذ كان في حكم المشاهد للنجاشي، لما روي في بعض الأخبار أنه قد سويت له الأرض حتى يبصر مكانه، وهذا تأويل فاسد، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئا من أفعال الشريعة كان علينا المتابعة والاتساء به والتخصيص لا يعلم إلا بدليل.
ومما يبين ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس إلى الصلاة فصف بهم وصلوا معه، فعلم أن هذا التأويل فاسد انتهى.
وقال الشوكاني في النيل: لم يأت المانعون من الصلاة على الغائب بشئ يعتد به سوى الاعتذار بأن ذلك مخصوص بمن كان في أرض لا يصلى عليه فيها وهو أيضا جمود على قصة النجاشي يدفعه الأثر والنظر والله أعلم. قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
(أشهد أنه رسول الله) فيه دلالة واضحة أن النجاشي ملك الحبشة قد أسلم قال ابن الأثير أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأحسن إلى المسلمين الذين هاجروا إلى أرضه، وأخباره معهم ومع كفار قريش الذين طلبوا منه أن يسلم إليهم المسلمين مشهورة. توفي ببلاده قبل فتح مكة، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة انتهى. وفي الإصابة أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه، وكان ردا للمسلمين نافعا، وقصته مشهورة في المغازي في إحسانه إلى المسلمين الذين هاجروا إليه في صدر الاسلام انتهى (ولولا ما أنا فيه من الملك) هذا محل الترجمة، لأن النجاشي ما رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأجل مخافة ملكه وضياع سلطنته، وبغاوة رعاياه الذين كانوا