الكتب المعتمدة على ما لا يخفي من نظر فيها فإن حمل على أن الرواة لم يحصل التميز لهم فظنوا قرب خروج الوقت فهذا أمر بعيد عن الصحابة الناهين على ذلك وإن اختير ترك تلك الروايات بإبداء الخلل في الاسناد فهو أبعد وأبعد مع إخراج الأئمة لها وشهادتهم بتصحيحها وإن عورض بالأحاديث التي صرحت بأن الجمع كان بالتأخير إلى اخر الوقت والتقديم في أول الوقت فهو أعجب فإن الجمع بينهما يحملها على اختلاف الأحوال ممكن بل هو الظاهر انتهى كلام صاحب التعليق الممجد وقال إمام الحرمين ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل ودليله من حيث المعنى الاستنباط من الجمع بعرفة ومزدلفة فإن سببه احتياج الحاج إليه لاشتغالهم بمناسكهم وهذا المعنى موجود في كل الأسفار ولم تتقيد الرخص كالقصر والفطر بالنسك إلى أن قال ولا يخفى على منصف أن الجمع أرفق من القصر فإن القائم إلى الصلاة لا يشق عليه ركعتان يضمهما إلى ركعتيه ورفق الجمع واضح لمشقة النزول على المسافر انتهى كذا نقل كلام إمام الحرمين الحافظ في الفتح وتعقب الخطابي وغيره على من حمل أحاديث الجمع على الجمع الصوري بأن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقا من الاتيان بكل صلاة في وقتها لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فض عن العامة ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول ابن عباس أن لا يحرج أمته أخرج مسلم قوله (أنه استغيث على بعض أهله) أي طلب منه الإغاثة على بعض أهله وذلك أن صفية بنت أبي عبيد زوجة ابن عمر كانت لها حالة الاحتضار فأخبر بذلك وهو خارج المدينة فجد به السير وعجل في الوصول كذا في بعض الحواشي قلت في صحيح البخاري في باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر قال سالم وأخر ابن عمر المغرب وكان استصرخ على امرأته صفية بنت أبي عبيد الخ قال الحافظ في الفتح قوله استصرخ بالضم أي استغيث بصوت مرتفع وهو من الصراخ والمصرخ المغيث انتهى (فجد به السير) أي اهتم به وأسرع فيه يقال جد ويجد بالضم والكسر وجد به الأمر وأجد وجد فيه وأجد إذا أجتهد كذا في النهاية (وأخر المغرب حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما) وفي رواية البخاري في باب السرعة في السير من كتاب الجهاد من طريق أسلم قال كنت مع عبد الله بن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة وجع فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق ثم نزل فصلى المغرب
(١٠٢)