إلى الله تعالى فقيل هو عبارة عن رؤيتهم إياه لان العادة ان كل من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته الا بالمجئ إليه فعبر عن الرؤية بالاتيان مجازا وقيل الاتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الايمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمات الحدوث وقيل فيه حذف تقديره يأتيهم بعض ملائكة الله ورجحه عياض قال ولعل هذا الملك جاءهم في صورة أنكروها لما رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الملك لأنه مخلوق قال ويحتمل وجها رابعا وهو أن المعنى يأتيهم الله بصورة أي بصفة تظهر لهم من الصور المخلوقة التي لا تشبه صفة الاله ليختبرهم بذلك فإذا قال لهم هذا الملك أنا ربكم ورأوا عليه من علامة المخلوقين ما يعملون به أنه ليس ربهم استعاذوا منه لذلك انتهى وقد وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن المشار إليها فيطلع عليهم رب العاملين وهو يقوي الاحتمال الأول قال وأما قوله بعد ذلك فيأتيهم الله في صورته التي يعرفونها فالمراد بذلك الصفة والمعنى فيتجلى الله لهم بالصفة التي يعلمونه بها وانما عرفوه بالصفة وان لم تكن تقدمت لهم رؤيته لأنهم يرون حينئذ شيئا لا يشبه المخلوقين وقد علوا انه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعلمون انه ربهم فيقولون أنت ربنا وعبر عن الصفة بالصورة لمجانسة الكلام لتقدم ذكر الصورة قال وأما قوله نعوذ بالله منك فقال الخطابي يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين قال القاضي عياض وهذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به وقال النووي الذي قاله القاضي صحيح ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه انتهى ورجحه القرطبي في التذكرة وقال إنه من الامتحان الثاني يتحقق ذلك فقد جاء في حديث أبي سعيد حتى أن بعضهم ليكاد ينقلب وقال ابن العربي انما استعاذوا منه أولا لأنهم اعتقدوا ان ذلك الكلام استدراج لان الله لا يأمر بالفحشاء ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله ولهذا وقع في الصحيح فيأتيهم الله في صورة أي بصورة لا يعرفونها وهي الامر باتباع أهل الباطل فلذلك يقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق وقال ابن الجوزي معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا أتانا بما نعرفه من لطفه وهي الصورة التي عبر عنها بقوله يكشف عن ساق أي عن شدة وقال القرطبي هو مقام هائل يمتحن الله به عباده ليميز الخبيث من الطيب وذلك أنه لما بقي المنافقون مختلطين بالمؤمنين زاعمين انهم منهم ظانين ان ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بان أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع أنا ربكم فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك لما سبق لهم من معرفته سبحانه وأنه منزه عن صفات هذه الصورة فلهذا قالوا نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا حتى أن بعضهم ليكاد ينقلب أي يزل فيوافق المنافقين قال وهؤلاء طائفة لم يكن لهم رسوخ بين العلماء ولعلهم الذين اعتقدوا الحق وحوموا عليه من غير بصيرة قال ثم يقال بعد ذلك للمؤمنين هل بينكم وبينه علامة (قلت) وهذه الزيادة أيضا من حديث أبي سعيد ولفظه آية تعرفونها فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيصير ظهره طبقا واحدا أي يستوي فقار ظهره فلا ينثني للسجود وفي لفظ لمسلم فلا يبقى من كان يسجد من تلقاء نفسه الا أذن له في السجود أي سهل له وهون عليه ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء الا جعل الله ظهره طبقا واحدا كلما أراد ان يسجد خر لقفاه وفي حديث ابن مسعود نحوه
(٣٩٢)