انتهاك حرمة الحرم بالمعصية تستلزم انتهاك حرمة الله لان تعظيم الحرم من تعظيم الله فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره وان اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى نعم من هم بالمعصية قاصدا الاستخفاف بالحرم وعصى ومن هم بمعصية الله قاصدا الاستخفاف بالله كفر وانما المعفو عنه من هم بمعصية ذاهلا عن قصد الاستخفاف وهذا تفصيل جيد ينبغي أن يستحضر عند شرح حديث لا يزني الزاني وهو مؤمن وقال السبكي الكبير الهاجس لا يؤاخذ به إجماعا والخاطر وهو جريان ذلك الهاجس وحديث النفس لا يؤاخذ بهما للحديث المشار إليه والهم وهو قصد فعل المعصية مع التردد لا يؤاخذ به لحديث الباب والعزم وهو قوة ذلك القصد أو الجزم به ورفع التردد قال المحققون يؤاخذ به وقال بعضهم لا واحتج بقول أهل اللغة هم بالشئ عزم عليه وهذا لا يكفي قال ومن أدلة الأول حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما الحديث وفيه أنه كان حريصا على قتل صاحبه فعلل بالحرص واحتج بعضهم بأعمال القلوب ولا حجة معه لأنها على قسمين أحدهما لا يتعلق بفعل خارجي وليس البحث فيه والثاني يتعلق بالملتقيين عزم كل منهما على قتل صاحبه واقترن بعزمه فعل بعض ما عزم عليه وهو شهر السلاح واشارته به إلى الاخر فهذا الفعل يؤاخذ به سواء حصل القتل أم لا انتهى ولا يلزم من قوله فالقاتل والمقتول في النار أن يكونا في درجة واحدة من العذاب بالاتفاق (قوله فان هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة) في رواية الأعرج فاكتبوها له بمثلها وزاد مسلم في حديث أبي ذر فجزاؤه بمثلها أو أغفر وله في آخر حديث ابن عباس أو يمحوها والمعنى ان الله يمحوها بالفضل أو بالتوبة أو بالاستغفار أو بعمل الحسنة التي تكفر السيئة والأول أشبه لظاهر حديث أبي ذر وفيه رد لقول من ادعى أن الكبائر لا تغفر الا بالتوبة ويستفاد من التأكيد بقوله واحدة أن السيئة لا تضاعف كما تضاعف الحسنة وهو على وفق قوله تعالى فلا يجزى الا مثلها قال ابن عبد السلام في أماليه فائدة التأكيد دفع توهم من يظن أنه إذا عمل السيئة كتبت عليه سيئة العمل وأضيفت إليها سيئة الهم وليس كذلك انما يكتب عليه سيئة واحدة وقد استثنى بعض العلماء وقوع المعصية في الحرم المكي قال إسحاق ابن منصور قلت لأحمد هل ورد في شئ من الحديث ان السيئة تكتب بأكثر من واحدة قال لا ما سمعت الا بمكة لتعظيم البلد والجمهور على التعميم في الأزمنة والأمكنة لكن قد يتفاوت بالعظم ولا يرد على ذلك قوله تعالى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين لان ذلك ورد تعظيما لحق النبي صلى الله عليه وسلم لان وقوع ذلك من نسائه يقتضي أمرا زائدا على الفاحشة وهو أذى النبي صلى الله عليه وسلم وزاد مسلم بعد قوله أو يمحوها ولا يهلك على الله الا هالك أي من أصر على التجري على السيئة عزما وقولا وفعلا وأعرض عن الحسنات هما وقولا وفعلا قال ابن بطال في هذا الحديث بيان فضل الله العظيم على هذه الأمة لأنه لولا ذلك كاد لا يدخل أحد الجنة لان عمل العباد للسيئات أكثر من عملهم الحسنات ويؤيد ما دل عليه حديث الباب من الإثابة على الهم بالحسنة وعدم المؤاخذة على الهم بالسيئة قوله تعالى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت إذ ذكر في السوء الافتعال الذي يدل على المعالجة والتكلف فيه بخلاف الحسنة وفيه ما يترتب للعبد على هجران لذته وترك شهوته من أجل ربه رغبة في ثوابه ورهبة من عقابه واستدل به على أن الحفظة لا تكتب المباح للتقييد بالحسنات والسيئات
(٢٨٢)