بذلك، أكان يريده أم يكرهه؟
قالت المجبرة: بل يكرهه ولا يريده.
قال لهم أهل العدل: فقد لزمكم على هذا أن تثنوا على إبليس اللعين، وتقولوا: إنه محمود لموافقة إرادته لإرادة الله عز وجل، وهذا ما ليس فيه حيلة لكم مع تمسككم بمذهبكم.
وقد كنت أوردت هذه المسألة في مجلس بعض الرؤساء مستطرفا له بها وعند جمع من الناس، فقال رجل ممن كان في المجلس يميل إلى الجبر: إن كان هذه المسألة لا حيلة للمجبرة فيها فعليكم أنتم أيضا مسألة لهم أخرى لا خلاص لكم مما يلزمكم منها.
فقلت: وما هي؟ قال: يقال لكم: إذا كان الله تعالى لا يشاء المعصية وإبليس يشاءها، ثم وقعت معصية من المعاصي، فقد لزم من هذا أن تكون مشية إبليس غلبت مشية رب العالمين.
فقلت له: إنما تصح الغلبة عند الضعف وعدم القدرة، ولو كنا نقول: إن الله تعالى لا يقدر أن يجبر العبد على الطاعة ويضطره إليها، ويحيل بينه وبين المعصية بالقسر والالجاء إلى غيرها لزمنا ما ذكرت وإلا بخلاف ذلك، وعندنا:
أن الله تعالى يقدر أن يجبر عباده ويضطرهم، ويحيل بينهم وبين ما اختاروه، فليس يلزمنا ما ذكرتم من الغلبة وقد أبان الله تعالى ذلك فقال: (ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة) وقال: (ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها، وإنما لم يفعل ذلك لما فيه من الخروج عن سنن التكليف، وبطلان استحقاق العباد للمدح والذم، فتأمل ما ذكرت تجده صحيحا، فلم يأت بحرف بعد هذا (1).
* * *