له إلى فعل المأمور به وأزجر له عن ارتكاب المنهي عنه، وليس غاية الترغيب إلا الوعد بالنعيم الدائم المقيم، ولا يكون غاية التخويف والترهيب إلا التوعيد بالعذاب الخالد الأليم، وخلف الخبر كذب والكذب لا يجوز على الحكيم، فبان بهذا الوجه أن تخليد الكافر في العذاب الدائم ليس بخارج عن الحكمة، ولا القول به مناقض الأدلة.
فقال صاحب المجلس: قد أتيت في جوابك بالصحيح الواضح، غير أنا نظن بقية في السؤال تطلع نفوسنا إلى أن نسمع عنها الجواب، وهي أن الحال قد اقتضت إلى ما ينفرد منه العقل، وهو أن عذاب أوقات غير محصورة يكون مستحقا على ذنوب حدها متناهية محصورة.
فقلت له: أجل، إن الحال قد أفضت إلى أن الهالك على كفره يعذب بعذاب تقدير زمانه أضعاف زمان عمره، وهذا هو السؤال بعينه، وفي مراعاة ما أجبت به عنه بيان أن العقل لا يشهد به ولا ينفرد منه على أنني آتي بزيادة في الجواب مقنعة في هذا الباب:
فأقول: إن المعاصي تتعاظم في نفوسنا على قدر نعم المعصي بها، ولذلك عظم عقوق الولد لوالده لعظم إحسان الوالد عليه، وجلت جناية العبد على سيده لجليل إنعام السيد عليه، فلما كانت نعم الله تعالى أعظم قدرا وأجل أثرا من أن توفى بشكر أو تحصى بحصر، وهي الغاية في الانعام الموافق لمصالح الأنفس والأجسام، كان المستحق على الكفر به وجحده إحسانه ونعمه هو غاية الآلام، وغايتها الخلود في النار.
فقال رجل ينتمي إلى الفقه كان حاضرا: قد أجاب صاحبنا الشافعي عن هذه المسألة بجوابين هما أجلى وأبين مما ذكرت. قال له السائل: وما هما؟
قال: أما أحدهما: فهو أن الله سبحانه كما ينعم في القيامة من وقعت منه الطاعة في مدة متناهية بنعيم لا آخر له ولا غاية، وجب قياسا على ذلك أن