وقال له: أقم على حالك، فقد عرفت أنك موضع للصنيعة، وأهل للتعويل عليك في الأمور العظيمة، أيجوز عندك هذا؟ وإن جاز فهل هو داخل في البداء أم لا؟
فقال: هذا مستعمل ورأينا مثله في الشاهد، وقد بدا للسيد، وليس هو قسما ثانيا، بل هو بعينه الأول، هو الذي لا يجوز على الله عز وجل.
فقلت له: لم زعمت أنه القسم الأول؟ فقال: لان في الأول قد استفاد الطبيب علما بحال المريض لم يكن بها عالما، كما أن في الثاني قد استفاد السيد علما بحال العبد لم يكن بها عالما، فهما عندي سواء.
فقلت له: لم جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت أولى من التفرقة بينهما من حيث كان أحدهما مريد لاتمام الفعل قبل أن يبدو له فيه، فينتهي عنه وهو الطبيب، والاخر غير مريد لاتمامه على كل وجه، وهو سيد العبد، بل كيف لم تفرق بينهما من حيث أن الطبيب لم يجز قط أن يقع منه اختلاف الامر إلا لتجدد علم له يكن، وسيد العبد يجوز أن يقع منه النهي بعد الامر من غير أن يتجدد له علم، ويكون عالما بنهضته في الحالين، ومسارعته إلى ما أحب، وإنما أمره بذلك ليعلم الحاضرون حسن طاعته ومبادرته إلى ما أمره، وأنه ممن يجب اصطفاؤه والاحسان إليه والتعويل في الأمور عليه.
قال: فإذا سلمت لك الفرق بينهما، فما تنكر أن يكون دالا على أن مثالك الذي أتيت به غير داخل في البداء.
قلت: أنكرت ذلك من قبل أن البداء هو عندنا جميعا: نهي الامر عما أمر به قبل وقوعه في وقته، وإذا كان هذا هو الحد المراعى فهو موجود في مثالنا، وقد أجمع العقلاء أيضا على أن السيد فيه قد بدا له فيما أمر به عبده.
قال: فإذا دخل القسمان في البداء فما الذي تجيز على الله منهما؟
فقلت: أقربهما إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام، وأشبههما لما أمر الله