اللفظ بالبداء في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، لأنها كشفت لهما عن علم متجدد ظهر لهما كان ظنهما سواه، وهو إزالة هذا التكليف بعد تعلقه والنهي عن الذبح بعد الامر به.
قال: أفتقول: إن الله تعالى أراد الذبح لما أمر بن أم لم يرده؟ واعلم أنك إن قلت: انه لم يرده، دخلت في مذاهب المجبرة لقولك: إن الله تعالى أمر بما لا يريده، كذلك إن قلت: انه أراده، دخلت في مذاهبهم أيضا من حيث أنه نهى عما أراده فما خلاصك من هذا؟
فقلت له: هذه شبهة يقرب أمرها، والجواب عنها لازم لنا جميعا لتصديقنا بالقصة وإقرارنا بها، وجوابي فيها: أن الذبح في الحقيقة هو تفرقة الاجزاء، ثم قد تسمى الافعال التي في مقدمات الذبح مثل القصد والاضجاع وأخذ الشفرة ووضعها على الحلق ونحو ذلك ذبحا مجازا واتساعا، ونظير هذا أن الحاج في الحقيقة هو زائر بيت الله تعالى على منها ما قررته الشريعة من الاحرام والطواف والسعي، وقد يقال لمن شرع في حوائجه لسفره في حوائجه من قبل أن يتوجه إليه أنه حاج اتساعا ومجازا.
فأقول: إن مراد الله تعالى فيما أمر به لخليله إبراهيم عليه السلام من ذبح ولده، إنما كان مقدمات الذبح من الاعتقاد أولا والقصد ثم الاضجاع للذبح، وترك الشفرة على الحلق، وهذه الأفعال الشاقة التي ليس بعدها غير الاتمام بتفرقة أجزاء الحلق، وعبر عن ذلك بلفظ الذبح، ليصح من إبراهيم عليه السلام الاعتقاد له والصبر على المضض فيه الذي يستحق جزيل الثواب عليه، ولو فسر له في الامر المراد على التعيين لما صح منه الاعتقاد للذبح، ولا كان ما أمر به شاقا يستحق عليه المدح والثناء، والمدح لعظيم الاجر، والذي نهى الله تعالى عنه هو الذبح في الحقيقة، وهو الذي لم تبق غيره، ولم تتعلق الإرادة قط به، فقد صح بهذا أن الله تعالى لم يأمر بما لا يريد ولا نهى عما أراد، والحمد لله.