الحاكي عن الشافعي؟
قالوا: قد تبين لنا فساد ما كان أجاب به، ولا حاجة بنا إلى اشغال الزمان بإعادته قلت: فأنا مجيبكم إلى الكلام، وسالك غير الطريقة الأولى في الجواب لعل ذلك أن يكون أسرع لزوال اللبس، وأقرب إلى سكون النفس إن وجدت منكم مع الاستماع حسن إنصاف.
قالوا: نحن مستمعون لك غير جاحدين لحق يظهر في كلامك.
فقلت: كان السؤال عن وجه العدل والحكمة في تعذيب الله عز وجل لمن مات وهو كافر بالعذاب الدائم الذي تقدير زمانه لا ينحصر، وقد كان وقع من العبد كفره في مبلغ عمره المتناهي المنحصر؟
والجواب عن ذلك: إن العذاب المجازى به على المعصية كائنة ما كانت لا كلام بيننا في استحقاقه، وإنما الكلام في اتصاله وانقطاعه، فلا يخلو المعتبر في ذلك أن يكون هو الزمان الذي وقعت المعصية فيه ومقداره وتناهيه، والمعصية في نفسها وعظمها من صغرها، فلو كان مدة هي المعتبرة وكان يجب تناهي العذاب لأجل تناهيها في نفسها لوجب أن يكون تقدير زمان العقاب عليها بحسبها وقدرها حتى لا يتجاوزها ولا يزيد عليها.
وهذا حكم يقضى الشاهد بخلافه، ويجمع العقلاء على فساده، فكم قد رأينا فيما بيننا معصية وقعت في مدة قصيرة كان المستحق من العقاب عليها يحتاج إلى أضعاف تلك المدة، ورأينا معصيتين تماثل في القدر زمانهما واختلف زمان العقاب المستحق عليهما، كعبد شتم سيده فاستحق من الأدب على ذلك أضعاف ما يستحقه إذا شتم عبدا مثله وإن كان زمان الشتمين متماثلا، فالمستحق عليهما من الأدب والعقاب يقع في زمان غير مماثل، ولو لم يكن في هذا حجة إلا ما نشاهده من هجران الوالد أياما كثيرة لولده على فعل وقع في ساعة