معاوية: أمير المؤمنين كان أعلم بكم، ثم قاموا إليهم وقالوا: تبرأون من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه، فأخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله، فوقع قبيصة بن ضبيعة في يدي أبي الشريف البدي، فقال له قبيصة: إن الشر بين قومي وقومك أمن - أي آمن - فليقتلني غيرك. فقال له: برتك رحم، فأخذ الحضرمي فقتله، وقتل القضاعي صاحبه.
قال لهم حجر: دعوني أصلي ركعتين، فأيم الله ما توضأت قط إلا صليت ركعتين. فقالوا له: صل، فصلى، ثم انصرف، فقال: والله ما صليت صلاة قط أقصر منها، ولولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها، ثم قال: اللهم إنا نستعديك على أمتنا، فإن أهل الكوفة شهدوا علينا. وإن أهل الشام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتموني بها، إني لأول فارس من المسلمين سلك في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها. فمشى إليه هدبة الأعور بالسيف فأرعدت فصائله، فقال: كلا زعمت أنك لا تجزع من الموت فأنا أدعك فابرأ من صاحبك. فقال: ما لي لا أجزع، وأنا أرى قبرا محفورا، وكفنا منشورا، وسيفا مشهورا؟ وإني والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب، فقيل له: مد عنقك. فقال: إن ذلك لدم ما كنت لأعين عليه. فقدم فضربت عنقه، وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة.
قال عبد الرحمان بن حسان العنزي، وكريم بن عفيف الخثعمي: ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين، فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته، فبعثوا إلى معاوية فأخبروه، فبعث: ائتوني بهما، فالتفتا إلى حجر فقال له العنزي: لا تبعد يا حجر، ولا يبعد مثواك، فنعم أخو الإسلام كنت. وقال الخثعمي نحو ذلك، ثم مضى بهما فالتفت العنزي، فقال متمثلا:
كفى بشفاة القبر بعدا لهالك * وبالموت قطاعا لحبل القرائن فلما دخل عليه الخثعمي قال له: الله الله يا معاوية، إنك منقول من هذه