وكثير: إئذنا لي فأوصي أهلي، فأذنا له، فلما دنا منهن وهن يبكين سكت عنهن ساعة ثم قال: اسكتن، فسكتن، فقال: اتقين الله عز وجل واصبرن فإني أرجو من ربي في وجهي هذا إحدى الحسنيين: إما الشهادة وهي السعادة، وإما الانصراف إليكن في عافية، وإن الذي يرزقكن ويكفيني مؤونتكن هو الله تعالى وهو حي لا يموت، أرجو أن لا يضيعكن وأن يحفظني فيكن. ثم انصرف فمر بقومه فجعل القوم يدعون الله له بالعافية.
فساروا حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق وهم اثنا عشر رجلا:
حجر بن عدي، والأرقم بن عبد الله، وشريك بن عبد الله، وقبيصة بن ضبيعة، وكريم بن عفيف، وعاصم بن عوف، وورقاء بن سمي، وكدام بن حيان، وعبد الرحمان بن حسان، ومحرز بن شهاب، وعبد الله بن حوية.
فحبسوا بمرج عذراء، فبعث معاوية إلى وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأدخلهما وأخذ كتابهما فقرأه على أهل الشام، فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين من زياد ابن أبي سفيان أما بعد، فإن الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء، فأداله من عدوه، وكفاه مؤونة من بغى عليه، إن طواغيت الترابية الصبائية رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين، وفارقوا جماعة المسلمين، ونصبوا لنا الحرب، فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم، وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي النهى والدين فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا، وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين، وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا.
فلما قرأ معاوية الكتاب وشهادة الشهود عليهم قال: ماذا ترون في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم قومهم بما تسمعون؟ فقال له يزيد بن أسد البجلي: أرى أن تفرقهم في قرى الشام فيكفيكهم طواغيتها، وكتب معاوية إلى زياد أما بعد، فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حجر وأصحابه وشهادة من قبلك عليهم،