فغلب عليه جزارها، فأصبح ينوء بالدليل ويأوي فيها إلى القليل، قد بدت بين حيين، كالساقط بين المهدين، لا المعتزي إليهم قبلوه ولا الظاعن عنهم فقدوه، فليت شعري بأي حسب تنازل للنضال؟ أم بأي قديم تعرض للرجال؟
أبنفسك؟ فأنت الخوار الوغد الزنيم. أم بمن تنتمي إليه؟ فأنت أهل السفه والطيش والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهلية شهر، ولا بقديم في الإسلام ذكر، غير أنك تنطق بغير لسانك، وتنهض بغير أركانك، وأيم الله إن كان لأسهل للوعث (1) وألم للشعث أن يكعمك (2) معاوية على ولوعك بإعراض قريش كعام الضبع في وجاره فأنت لست لها بكفي، ولا لإعراضها بوفي.
قال: فتهيأ عمرو للجواب، فقال له معاوية: نشدتك الله إلا ما كففت فقال عمرو: يا أمير المؤمنين دعني أنتصر فإنه لم يدع شيئا.
فقال معاوية: أما في مجلسك هذا فدع الانتصار وعليك بالاصطبار (3).
(570) أبو الأسود وعمرو بن العاص قدم أبو الأسود الدؤلي على معاوية بعد مقتل علي - رضي الله عنه - وقد استقامت لمعاوية البلاد، فأدنى مجلسه، وأعظم جائزته، فحسده عمرو بن العاص، فقدم على معاوية فاستأذن عليه في غير وقت الإذن، فأذن له، فقال له معاوية: يا أبا عبد الله ما أعجلك قبل وقت الإذن، فقال: يا أمير المؤمنين أتيتك لأمر قد أوجعني وأرقني وغاظني، وهو من بعد ذلك نصيحة لأمير المؤمنين قال:
وما ذاك يا عمرو؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن أبا الأسود رجل مفوه له عقل وأدب من مثله للكلام يذكر؟ وقد أذاع بمصرك من الذكر لعلي، والبغض