فيها، ولولا قريش لكنتم أذلة! إن أئمتكم لكم جنة، فلا تفرقوا عن جنتكم، إن أئمتكم ليصبرون لكم على الجور ويحتملون منكم العقاب، والله لتنتهن أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم الخسف ولا يحمدكم على الصبر، ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد وفاتكم.
فقال له صعصعة بن صوحان: أما قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية، وإن غيرها من العرب لأكثر منها كان وأمنع.
فقال معاوية: إنك لخطيب القوم ولا أرى لك عقلا! وقد عرفتكم الآن وعلمت أن الذي أغراكم قلة العقول، أعظم عليكم أمر الإسلام فتذكرني الجاهلية، أخزى الله قوما عظموا أمركم! افقهوا عني ولا أظنكم تفقهون! إن قريشا لم تعز في جاهلية ولا إسلام إلا بالله وحده، لم تكن بأكثر العرب ولا أشدها، ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا وأمحضهم أنسابا وأكملهم مروءة ولم يمتنعوا في الجاهلية - والناس تأكل بعضهم بعضا - إلا بالله، فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم، هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا أو حمرا إلا وقد أصابهم الدهر في بلدهم وحرمهم إلا ما كان من قريش، فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل، حتى أراد الله تعالى أن يستنقذ من أكرمه باتباع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه، ثم ارتضى له أصحابا وكان خيارهم قريشا، ثم بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه الخلافة فيهم، فلا يصلح الأمر إلا بهم، وقد كان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على كفرهم، أفتراه لا يحوطهم وهم على دينه؟!
أف لك ولأصحابك! أما أنت يا صعصعة فإن قريتك شر القرى، أنتنها نبتا وأعمقها واديا، وألأمها جيرانا، وأعرفها بالشر، لم يسكنها شريف قط ولا وضيع إلا سب بها، نزاع الأمم وعبيد فارس، وأنت شر قومك، أحين أبرزك الإسلام وخلطك بالناس أقبلت تبغي دين الله عوجا وتنزع إلى الغواية؟ إنه