أثر بلاغته وكان لمنابره البليغة، ولأساليب إرشاداته البارعة، أكبر الأثر في تحقيق إصلاحه المنشود، ولا غرو فإن للسيد المؤلف مقاما خطابيا يغبطه عليه خطباء العرب، ويعتز به الدين والعلم والأدب.
وخطابته ككتابته تستمد معانيها وقوتها وغزارتها من ثقافته كلها، وترتضع في الموضوع الخاص أثداء شتى من معلوماته الواسعة، فإذا قرأته أو سمعته رأيت مصادر ثقافته كلها منهلة متفتحة الأفواه كشرايين الثدي وعروقه، ترفده من كل موضع وعاه في حياته ما ينسجم وموضوعه الذي هو بسبيله، وعلى ذوقه الممتاز أن يضع أطراف ما يتدفق إليه في هيكل الموضوع الذي بين يديه، ويركزه في مكانه، حتى إذا انتهى أنهى إذن بحثا نافعا كله غذاء ومتاع.
وأعظم به - إلى جانب هذه البلاغة - متخيرا لآلئ معانيه، وأزياء أفكاره يقدرها تقديرا، ويرصفها رصفا، ويبعث فيها حياة تنبضها بما يريد لها من دلالة في مفهوم. أو من منطوق بأوصافه، وإضافاته، وبكل تآليفه المنسوقة المنسجمة.
ثم أعظم به محدثا إذا تشاجن الحديث وتشقق وانساب على سفينة، يمخر العباب، فهناك النكتة البارعة، والطرفة اللامعة، والنادرة الحلوة، والخبر النافع.
من هذا وذاك علقت به النفوس، واجتمع عليه الرأي، فقاد للخير وابتغى المصلحة. وتكاملت له زعامة عامة، يحل منها في شغاف الأفئدة والقلوب، ولم تكن هذه الزعامة مرتجلة مفاجئة، بل كانت عروقها واشجة الأصول، عميقة الجذور، تتصل بالأعلام من آبائه،