العكوف عليهم، وانقطعت في أخذ معالم الدين إليهم، وقد بذلت الوسع والطاقة في تدوين كل ما شافهوها به، واستفرغت الهمم والعزائم في ذلك بما لا مزيد عليه، حفظا للعلم الذي لا يصح - على رأيها - عند الله سواه، وحسبك - مما كتبوه أيام الصادق - تلك الأصول الأربع مئة، وهي أربعمائة مصنف لأربع مئة مصنف، كتبت من فتاوى الصادق على عهده (968)، ولأصحاب الصادق غيرها هو أضعاف أضعافها، كما ستسمع تفصيله قريبا إن شاء الله تعالى.
أما الأئمة الأربعة فليس لهم عند أحد من الناس منزلة أئمة أهل البيت عند شيعتهم، بل لم يكونوا أيام حياتهم، بالمنزلة التي تبوأوها بعد وفاتهم، كما صرح به ابن خلدون المغربي، في الفصل الذي عقده لعلم الفقه من مقدمته الشهيرة (969)، واعترف به غير واحد من أعلامهم، ونحن مع ذلك لا نرتاب في أن مذاهبهم إنما هي مذاهب اتباعهم، التي عليها مدار عملهم في كل جيل، وقد دونوها في كتبهم، لأن أتباعهم أعرف بمذاهبهم، كما أن الشيعة أعرف بمذهب أئمتهم، الذي يدينون الله بالعمل على مقتضاه، ولا تتحقق منهم نية القربة إلى الله بسواه.
2 - وإن الباحثين ليعلمون بالبداهة تقدم الشيعة في تدوين العلوم على من سواهم (970) إذ لم يتصد لذلك في العصر الأول غير علي وأولوا العلم من شيعته، ولعل السر في ذلك اختلاف الصحابة في إباحة كتابة العلم وعدمها، فكرهها كما عن العسقلاني في مقدمة فتح الباري وغيره - عمر بن الخطاب وجماعة آخرون، خشية أن يختلط الحديث في الكتاب (971)، وأباحه علي وخلفه الحسن السبط المجتبى وجماعة من الصحابة، وبقي الأمر على هذه الحال حتى أجمع أهل القرن الثاني في آخر عصر التابعين على إباحته، وحينئذ ألف ابن جريح كتابه في الآثار عن مجاهد وعطاء بمكة، وعن الغزالي أنه أول كتاب صنف في الاسلام، والصواب أنه أول كتاب صنفه غير الشيعة من المسلمين وبعده كتاب معتمر بن راشد الصنعاني باليمن ثم