وأي كلمة كانت وداعا منهم له صلى الله عليه وآله، وكأنهم - حيث لم يأخذوا بهذا النص اكتفاء منهم بكتاب الله على ما زعموا - لم يسمعوا هتاف الكتاب آناء الليل وأطراف النهار في أنديتهم * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهو) * (853) وكأنهم حيث قالوا: هجر، لم يقرأوا قوله تعالى: * (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون) * (854) وقوله عز من قائل: * (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين) * (855) وقوله جل وعلا * (ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) * (856) إلى كثير من أمثال هذه الآيات البينات، المنصوص فيها على عصمة قوله من الهجر، على أن العقل بمجرده مستقل بذلك، لكنهم علموا أنه صلى الله عليه وآله وسلم، إنما أراد توثيق العهد بالخلافة، وتأكيد النص بها على علي خاصة، وعلى الأئمة من عترته عامة، فصدوه عن ذلك كما اعترف به الخليفة الثاني في كلام دار بينه وبين ابن عباس (1) (857).
وأنت إذا تأملت في قوله صلى الله عليه وآله: إئتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، وقوله في حديث الثقلين: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي (858)، تعلم أن المرمى في الحديثين واحد، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم، أراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين.
2 - وإنما عدل عن ذلك، لأن كلمتهم تلك التي فاجؤوه بها اضطرته إلى العدول، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في أنه هل هجر فيما كتبه - والعياذ بالله - أو لم يهجر، كما اختلفوا في ذلك وأكثروا اللغو