هذا بعض ما يعرفك به الكتاب عن مؤلفه، أفتراني أبلغ من تعريفك به أبعد مما يعرفك هو بنفسه؟ كلا فإن للسيد عبد الحسين في الحياة مناحي وميادين لا أراني موفيا عليها، وأنا في هذا السبيل الضيق القصير، ويوشك أن يكون الأمر يسيرا لو أن المترجم له غير هذا الرجل، ويهون الأمر لو كان من هؤلاء الرجال المحدودة حياتهم وأعمالهم، أما رجل كهذا الرجل الرحب العريض، فمن الصعب جدا أن يتحمل كاتب عبء الحديث عنه، والتوفر عليه، لأنه يشعر حين يقف إليه أنه يقف إلى جيل ينبض بألوان من الحياة، متدفقة من كل نواحيه وجوانبه، فلا يكاد يرد كل لون إلى مصدره إلا ببحث عليه مسؤوليات من المنطق والعلم، قد ينوء بها عاتق المؤرخ الأمين.
ويكفيك من تعريفه - على سبيل الاجمال - ما يعرفك به الكتاب من علمه وفنه، وكنا نود لو يتاح لنا أن نقف وقفة خاصة لهذه الناحية الفنية المتعبة، ولا سيما ونحن منه في سبيل العلم والفن اللذين اجتمعا للمؤلف فصاغا هذا الكتاب متساندين صياغة قدرة وابتداع، قل أن نجد لها ندا في مقدور زملائه من الأعلام (أمد الله في حياة أحيائهم).
ولكن إحكام الكتاب على هذا النحو من قوة العارضة في الأدب، وبعد النظر في البحث، وسلامة الذوق في الفن وحسن التيسير في إيضاح المشاكل، وتحليل المسائل، أطلق له لسانا من البيان الساحر اغنانا عن الأخذ بالأعناق إلى مواضع جماله، فكل بحث فيه لسان مبين عن سره، يناديك حين تغفل عنه، ويدعوك بصوته حين تمر به سهوان، ولا تقدر لنفسك أن تتملاه أو تعجب به.