باجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم، وقد قال عمر بن الخطاب لابن عباس في كلام دار بينهما: " إن قريشا كرهت أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة، فتجحفون على الناس (1) " (845) 2 - والسلف الصالح لم يتسن له أن يقهرهم يومئذ على التعبد بالنص فرقا من انقلابهم إذا قاومهم، وخشية من سوء عواقب الاختلاف في تلك الحال، وقد ظهر النفاق بموت رسول الله صلى الله عليه وآله، وقويت بفقده شوكة المنافقين، وعتت نفوس الكافرين، وتضعضعت أركان الدين، وانخلعت قلوب المسلمين، وأصبحوا بعده كالغنم المطيرة، في الليلة الشاتية، بين ذئاب عادية، ووحوش ضارية، وارتدت طوائف من العرب، وهمت بالردة أخرى، كما فصلناه في المراجعة 82، فأشفق علي في تلك الظروف أن يظهر إرادة القيام بأمر الناس مخافة البائقة، وفساد العاجلة، والقلوب على ما وصفنا، والمنافقون على ما ذكرنا، يعضون عليهم الأنامل من الغيظ، وأهل الردة على ما بينا، والأمم الكافرة على ما قدمنا، والأنصار قد خالفوا المهاجرين، وانحازوا عنهم يقولون:
منا أمير ومنكم أمير. و (846). و. فدعاه النظر للدين إلى الكف عن طلب الخلافة، والتجافي عن الأمور، علما منه أن طلبها والحال هذه، يستوجب الخطر بالأمة، والتغرير في الدين، فاختار الكف إيثارا للاسلام، وتقديما للصالح العام، وتفضيلا للآجلة على العاجلة.
غير أنه قعد في بيته - ولم يبايع حتى أخرجوه كرها - (847) احتفاظا بحقه، واحتجاجا على من عدل عنه، ولو أسرع إلى البيعة ما تمت له حجة ولا سطع له