والأصول عن كل واحد منهم جم من ثقات الشيعة وحفاظهم وافر، وعدد من أهل الورع والضبط والاتقان يربو على التواتر، فرووا ذلك لمن بعدهم على سبيل التواتر القطعي، ومن بعدهم رواه لمن بعده على هذا السبيل، وهكذا كان الأمر في كل خلف وجيل، إلى أن انتهى إلينا كالشمس الضاحية ليس دونها حجاب، فنحن الآن في الفروع والأصول، على ما كان عليه الأئمة من آل الرسول، روينا بقضنا وقضيضنا مذهبهم عن جميع آبائنا، وروى جميع آبائنا ذلك عن جميع آبائهم، وهكذا كانت الحال، في جميع الأجيال، إلى زمن النقيين العسكريين، والرضايين الجوادين، والكاظمين الصادقين، والعابدين والباقرين، السبطين الشهيدين، وأمير المؤمنين (ع)، فلا نحيط الآن بمن صحب أئمة أهل البيت من سلف الشيعة، فسمع أحكام الدين منهم، وحمل علوم الاسلام عنهم، وإن الوسع ليضيق عن استقصائهم وعدهم (964)، وحسبك ما خرج من أقلام أعلامهم، من المؤلفات الممتعة، التي لا يمكن استيفاء عدها في هذا الاملاء ( 965)، وقد اقتبسوها من نور أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله، واغترفوها من بحورهم، سمعوها من أفواههم، وأخذوها من شفاههم، فهي ديوان علمهم، وعنوان حكمهم، ألفت على عهدهم (966) فكانت مرجع الشيعة من بعدهم، وبها ظهر امتياز مذهب أهل البيت على غيره من مذاهب المسلمين، فإنا لا نعرف أن أحدا من مقلدي الأئمة الأربعة مثلا، ألف على عهدهم كتابا في أحد مذاهبهم، وإنما ألف الناس على مذاهبهم، فأكثروا بعد انقضاء زمنهم (967) وذلك حيث تقرر حصر التقليد فيهم، وقصر الإمامة في الفروع عليهم، وكانوا أيام حياتهم كسائر من عاصرهم من الفقهاء والمحدثين، لم يكن لهم امتياز على من كان في طبقتهم، ولذلك لم يكن على عهدهم من يهتم بتدوين أقوالهم، اهتمام الشيعة بتدوين أقوال أئمتها المعصومين - على رأيها - فإن الشيعة من أول نشأتها، لا تبيح الرجوع في الدين إلى غير أئمتها، ولذلك عكفت هذا
(٤٠٩)