ومن غريب ما يروى أن (مجلس الشهيد) حين كان مطلق السراح وحين كان مراقبا في بيته كان مزدحما بعلماء العامة، ورجال السياسة من مختلف الاتجاهات ممن كان يتكتم أمامهم، فلما شرع بكتابة اللمعة لم يمر عليه أحد طيلة اشتغاله هذه الرسالة.
ومهما يكن من أمر فقد احتلت (اللمعة) القمة من بين المتون الفقهية الشيعية، إذ جمعت الوجازة والاختصار، إلى روعة التعبير، وضمت هذه الخلال جميعا إلى تنسيق الأبواب والأحكام والمسائل بشكل منظم وتعميق النظر والفكر، فقد كان (الشهيد) أديبا كبيرا شاعرا رقيق الشعر واسع الخيال، ولم تكن ثقافته مقصورة على الفقه والأصول.
وقد حاول (الشهيد) في رسالته هذه أن لا يجمد على التعبيرات الفقهية المتداولة في وقته، وأن يحدث بعض التغيير في صياغة التعبير، ويجيد في سبك العبارات وتنويعها، ويحسن في تنويع العبارة:
وإذا ضممنا إلى ذلك إيجاز التعبير، واختصار الجمل الطويلة، وتشذيب الكلام من زوائد السجع، والاسترسال في الكتابة من غير محاولة اصطناع شئ مما كان يصطنعه أدباء زمانه من المحسنات البديعية علمنا سر خلود (اللمعة) وبقائها، واحتفاظها بطابعها الرسمي في معاهد (الفقه الشيعي) على الإطلاق.
هذا بالإضافة إلى ما لو حظ في هذا الكتاب: من التنظيم الفني والتنسيق الرائع لأبواب الفقه وأحكامه ومسائله.
فقد ساير الشهيد (المحقق الحلي) في تنظيم كتب الفقه وأبوابه، لكنه زاد عليه بجملة من التحسينات نلمسها بوضوح حينما نراجع كلا من (المختصر النافع) و (اللمعة الدمشقية)، مع العلم أن المختصر النافع كان المرجع الوحيد للشهيد في تأليف هذه الرسالة.