وأما غناه عن الناس فإنه لم يوجد على باب أحد قط يسأله عن كلمة ولا يستفيد منه حرفا ".
ثم الدفع عن المظلوم وإغاثة الملهوف، قال: ذكر الكوفيون أن سعيد بن القيس الهمداني رآه يوما " في شدة الحر في فناء حائط فقال: يا أمير المؤمنين بهذه الساعة؟ قال: ما خرجت إلا لأعين مظلوما " أو أغيث ملهوفا "، فبينا هو كذلك إذ أتته امرأة قد خلع قلبها، لا تدري أين تأخذ من الدنيا حتى وقفت عليه، فقالت: يا أمير المؤمنين ظلمني زوجي وتعدى علي وحلف ليضربني فاذهب معي إليه، فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله حتى يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع (1) وأين منزلك؟ قالت: في موضع كذا وكذا، فانطلق معها حتى انتهت إلى منزلها، فقالت: هذا منزلي، قال: فسلم فخرج شاب عليه إزار ملونة فقال:
اتق الله فقد أخفت زوجتك، فقال: وما أنت وذاك والله لأحرقنها بالنار لكلامك، قال:
وكان إذا ذهب إلى مكان أخذ الدرة بيده والسيف معلق تحت يده فمن حل عليه حكم بالدرة ضربه ومن حل عليه حكم بالسيف عاجله، فلم يعلم الشاب إلا وقد أصلت السيف وقال له: آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر وترد المعروف تب وإلا قتلتك، قال: وأقبل الناس من السكك يسألون عن أمير المؤمنين عليه السلام حتى وقفوا عليه قال: فاسقط في يد الشاب (2) وقال: يا أمير المؤمنين أعف عني عفا الله عنك والله لأكونن أرضا تطأني، فأمرها بالدخول إلى منزلها وانكفأ وهو يقول: " لا خير في كثير من نجويهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " الحمد لله الذي أصلح بي بين مرأة وزوجها، يقول الله تبارك وتعالى:
" لا خير في كثير من نجويهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا " عظيما " (3).
ثم المروءة وعفة البطن والفرج وإصلاح المال، فهل رأيتم أحدا " ضرب الجبال بالمعاول فخرج منها مثل أعناق الجزر كلما خرجت عنق قال: بشر الوارث ثم يبدو له فيجعلها صدقة