اللهم إن الفرات ودجلة نهران (1) أعجمان أصمان أعميان أبكمان، اللهم سلط عليهما بحرك وانزع منهما نصرك، لا النزعة بأشطان الركي (2)، أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرؤوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الرماح زحفا " زحفا "، وصفا " صفا "، صف هلك وصف نجا، لا يبشرون بالنجاة، ولا يعزفون عن الفناء، أولئك إخواني الذاهبون فحق لنا أن نظمأ إليهم. ثم رأيناه وعيناه تذرفان وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون إلى عيشة بمثل بطن الحية، متى؟ لا متى لك منهم، لامتي.
قال ابن دأب: هذا ما حفظت الرواة الكلمة بعد الكلمة وما سقط من كلامه أكثر وأطول، مما لا يفهم عنه.
ثم الحكمة واستخراج الكلمة بالفطنة التي لم يسمعوها من أحد قط بالبلاغة في الموعظة فكان مما حفظ من حكمته وصف رجلا " أن قال: ينهى ولا ينتهي ويأمر الناس بما لا يأتي ويبتغي الازدياد فيما بقي ويضيع ما أوتي، يحب الصالحين ولا يعمل بأعمالهم، ويبغض المسيئين وهو منهم، يبادر من الدنيا ما يفنى، ويذر من الآخرة ما يبقى، يكره الموت لذنوبه ولا يترك الذنوب في حياته.
قال ابن دأب: فهل فكر الخلق إلى ما هم عليه من الوجود بصفته إلى ما قال غيره.
ثم حاجة الناس إليه وغناه عنهم إنه لم ينزل بالناس ظلماء عمياء كان لها موضعا " غيره مثل مجيئ اليهود يسألونه ويتعنتونه ويخبر بما في التوراة وما يجدون عندهم، فكم من يهودي قد أسلم وكان سبب إسلامه هو.