نزل به القرآن من فضائله وما يحدث الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله من مناقبه واجتماعهم على أنه لم يرد على رسول الله صلى الله عليه وآله كلمة قط، ولم ترتعد فرائصه في موضع بعثه فيه قط، وشهادة الذين كانوا في أيامه أنه وفر فيئهم وظلف نفسه عن دنياهم، (1) ولم يرتشي في أحكامهم، وزكاء القلب، وقوة الصدر عندما حكمت الخوارج عليه - وهرب كل من كان في المسجد وبقي على المنبر وحده - وما يحدث الناس أن الطير بكت عليه، وما روي عن ابن شهاب الزهري أن حجارة أرض بيت المقدس قلبت عند قتله فوجد تحتها دم عبيط والأمر العظيم حتى تكلمت به الرهبان وقالوا فيه، ودعاؤه الناس إلى أن يسألوه عن كل فتنة تضل مائة أو تهدي مائة، وما روي الناس من عجائبه في إخباره عن الخوارج وقتلهم، وتركه مع هذا أن يظهر منه استطالة أو صلف (2)، بل كان الغالب عليه إذا كان ذلك غلب البكاء عليه، والاستكانة لله حتى يقول له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما هذا البكاء يا علي؟ فيقول: أبكي لرضاء رسول الله عني، قال: فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله وملائكته ورسوله عنك راضون، وذهاب البرد عنه في أيام البرد، وذهاب الحر عنه في أيام الحر، فكان لا يجد حرا " ولا بردا "، والتأييد بضرب السيف في سبيل الله، والجمال قال:
أشرف يوما " على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ما ظننت إلا أنه أشرف علي القمر ليلة البدر، ومباينته للناس في إحكام خلقه، قال: وكان له سنام كسنام الثور، بعيد ما بين المنكبين، وإن ساعديه لا يستبينان من عضديه من إدماجهما من إحكام الخلق، لم يأخذ بيده أحدا " قط إلا حبس نفسه، فإن زاد قليلا " قتله.
قال ابن دأب: فقلنا: أي شئ معنى أول خصاله المواساة؟ قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله له: إن قريشا " قد أجمعوا على قتلي فنم علي فراشي، فقال: بأبي أنت وأمي السمع والطاعة لله ولرسوله فنام على فراشه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله لوجهه، وأصبح علي وقريش يحرسه فأخذوه فقالوا: أنت الذي غدرتنا منذ الليلة؟ فقطعوا له قضبان الشجر فضرب حتى كادوا يأتون على نفسه، ثم أفلت من أيديهم وأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في الغار