وصار ذلك عليه في كل يوم وليلة لئلا ينسى العبد مدبره وخالقه فيبطر ويطغى وليكون في ذكر خالقه والقيام بين يدي ربه زاجرا له عن المعاصي، وحاجزا ومانعا عن أنواع الفساد.
فان قال قائل: فلم أمر بالوضوء وبدء به؟ قيل لأنه يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه مطيعا له فيما أمره نفيا من الأدناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار.
فان قال قائل: فلم وجب ذلك على الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين؟
قيل لان العبد إذا قام بين يدي الجبار قايما ينكشف من جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوضوء، وذلك أنه بوجهه يستقبل ويسجد ويخضع، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتل، وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده، وبرجليه يقوم ويقعد.
فان قيل: فلم وجب الغسل على الوجه واليدين والمسح على الرأس والرجلين ولم يجعل غسلا كله ولا مسحا كله؟ قيل لعلل شتى.
منها: ان العبادة إنما هي الركوع والسجود، وإنما يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين لا بالرأس والرجلين.
ومنها: ان الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس والرجلين ويشتد ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض والليل والنهار، وغسل الوجه واليدين أخف من غسل الرأس والرجلين، وإنما وضعت الفرايض على قدر أقل الناس طاقة من أهل الصحة ثم عم فيها القوي والضعيف، ومنها ان الرأس والرجلين ليس هما في كل وقت باديين وظاهرين كالوجه واليدين لموضع العمامة والخفين وغير ذلك.
فان قال قائل: فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون ساير الأشياء؟ قيل: لان الطرفين هما طريق النجاسة وليس للانسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلا منهما فأمروا بالطهارة عندما تصيبهم تلك النجاسة