فان قال قائل: فلم وجب عليهم الاقرار بالله بأنه ليس كمثله شئ قيل لعلل:
منها: لان يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره غير مشبه عليهم ربهم وصانعهم ورازقهم.
ومنها: انهم لو لم يعلموا انه ليس كمثله شئ لم يدروا لعل ربهم وصانعهم هذه الأصنام التي نصبها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران إذا كان جائزا أن يكون مشبها وكان يكون في ذلك الفساد وترك طاعاته كلها وارتكاب معاصيه كلها على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الأرباب وأمرها ونهيها.
ومنها انه لو لم يجب عليهم ان يعرفوا انه ليس كمثله شئ لجاز عندهم ان يجرى عليه ما يجرى على المخلوقين من العجز والجهل والتغير والزوال والفناء والكذب والاعتداء ومن جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناؤه ولم يوثق بعدله ولم يحقق قوله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية.
فان قال قائل: لم أمر الله العباد ونهاهم؟ قيل لأنه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلا بالامر والنهى والمنع عن الفساد والتغاصب.
فان قال قائل: لم تعبدهم قيل لئلا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لأدبه ولا لاهين عن أمره ونهيه إذا كان فيه صلاحهم وفسادهم وقوامهم فلو تركوا بغير تعبد لطال عليهم الأمد وقست قلوبهم.
وان قيل: فلم أمروا بالصلاة؟ قيل لان في الصلاة الاقرار بالربوبية وهو صلاح عام لان فيه خلع الأنداد والقيام بين يدي الجبار بالذل والاستكانة والخضوع والاعتراف والطلب في الإقالة من سالف الذنوب ووضع الجبهة على الأرض كل يوم ليكن ذاكر الله غير ناس له يكون خاشعا وجلا متذللا طالبا راغبا مع الطلب للدين والدنيا بالزيادة مع ما فيه من الانزجار عن الفساد جدا