ولكن إذا تعمق النظر في القاعدتين يتبين الفرق بينهما، وذلك لأن مدلول قاعدة الوقوف عند الشبهة هو التوقف العملي وعدم الارتكاب، ومدلول قاعدة وجوب دفع الضرر هو الفحص في سبيل حصول المؤمن، فيكون نطاق الأولى مقدمة لنطاق الثانية. أضف إلى ذلك ما يمكن أن يقال: إن المتيقن من موارد قاعدة الوقوف عند الشبهة هو الشبهة المختصة بالدماء والفروج وعليه يكون مدلولها نفس التوقف والاجتناب وتتعلق بالشبهات الموضوعية الخاصة فتمتاز عن قاعدة وجوب دفع الضرر معنى وموردا.
فرعان الأول: من موارد القاعدة هو التوقف عند نقل الرواية التي لم يثبت سندها كما في رواية أبي سعيد الزهري عن أبي جعفر عليه السلام قال: (الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه) (1).
فتفيد الاجتناب عن نقل خبر لم يوثق سنده، هذا إذا كان النقل بنحو الأخبار عن الواقع، وأما إذا كان نقل الخبر المرسل - مثلا - برجاء الواقع فلا مانع منه إلا أن يقال: إن الترك أفضل في الفرض الأخير أيضا، فعليه كان الوقوف هنا محمولا على الاستحباب.
الثاني: الخبر المشهور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: القضاة أربعة، ثلاثة في النار وواحد في الجنة: رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة (2). فالقسم الثالث - القضاء بالحق مع عدم العلم - كان مدلول القاعدة، فلا يجوز القضاء بحكم عند الشبهة فيه وبالتالي يجب الوقوف عند هذه الشبهة.