إلى هنا تم الفرق بين القاعدة الفقهية والأصول الاستنباطية وأما الفرق بينها وبين الأصول العملية فقد مر بنا بيان الفرق بين القاعدة والاستصحاب على ما افاده سيدنا الأستاذ، ولا مبرر للتكرار. وكذلك تبين مما أسلفناه تواجد الميز بين القاعدة وبين البراءة والاحتياط بأن الافتراق هناك إنما يكون بحسب مكانتهما العلمية.
ويمكننا أن نحاول في نهاية المطاف فرقا مبدئيا بين القاعدة والأصول العملية الشرعية (البراءة والاحتياط) وهو: أن مؤدى القواعد يكون أحكاما واقعية، وأدلة اعتبارها تكون الأدلة الاجتهادية.
بينما يكون مؤدى الأصول العملية الشرعية أحكاما ظاهرية، وأدلتها تكون الأدلة الفقاهتية.
وقد يشكل بأن مؤدى قسم من القواعد كقاعدة: لا تعاد، وما شاكلها يكون حكما واقعيا وأما القسم الاخر منها كقاعدة الطهارة وما شاكلها مجعولة عند تواجد الشك والتردد بالنسبة إلى الحكم الواقعي، فيكون مؤداها حكما ظاهريا.
ويرد هذا الاشكال بأن مؤدى قاعدة الطهارة وما يماثلها يكون حكما واقعيا تنزيليا. كما قال المحقق صاحب الكفاية رحمه الله: والتحقيق: أن ما كان منه (الامر الظاهري) يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف، وتحقيق متعلقه، وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره، كقاعدة الطهارة أو الحلية بالنسبة إلى كلما اشترط بالطهارة أو الحلية يجزي، فإن دليله يكون حاكما على دليل الاشتراط، ومبينا لدائرة الشرط، وأنه أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية (1) فعلى ضوء ذلك البيان كان مؤدى قاعدة الطهارة توسعة دائرة الشرطية إلى أن تشمل الطهارة الواقعية والتنزيلية. وعليه لا يكون مؤداها حكما ظاهريا مجعولا عند الحيرة العملية.