تحققهما من المجتهد بالنسبة إلى تكليف المقلد، فلو كان المقلد متيقنا بالطهارة من الحدث وشك في الحدث فرجع إلى المجتهد، فلا بد له من الإفتاء بابقاء الطهارة عملا وإن كان المجتهد متيقنا بكونه محدثا.
نعم، اليقين والشك من المجتهد إنما يعتبران في جريان الاستصحاب بالنسبة إلى تكليف نفسه لا بالنسبة إلى المقلد، وكذا جميع القواعد الفقهية كقاعدة الفراغ من الصلاة في ما إذا شك في نقصان ركن من أركان صلاته، فيفتي له المجتهد بالصحة لأجل الفراغ وإن كان هو عالما بنقصان ركن من أركان صلاته، ولا يقبل قوله بنقصان الركن إلا من باب الشهادة إذا اعتبرنا شهادة العدل الواحد في أمثال هذه المقامات، وأما على القول بحجيته في الأحكام الكلية أيضا بأن يقال الشك المأخوذ في الاستصحاب شامل لما كان منشأه عدم وصول البيان من قبل الشارع، أو الأمر الخارجية، ويشمل الصورتين دليل واحد، كما مر نظيره في شمول حديث الرفع للشبهات الحكمية والموضوعية، لكون المراد منه كل حكم مجهول سواء كان منشأ الجهل عدم تمامية البيان من قبل الشارع كإجمال النص، أو الأمور الخارجي. ولا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين فيكون الاستصحاب حينئذ ذا جهتين:
فمن جهة كونه حجة في الأحكام الكلية يكون البحث عنه بحثا عن مسألة أصولية، لما ذكرناه في أول هذه الدورة من أن الميزان في المسألة الأصولية إمكان وقوع النتيجة في طريق استنباط الأحكام الشرعية بلا احتياج إلى مسألة أخرى:
أي أن المسألة الأصولية ما يمكن أن تقع نتيجتها في كبرى القياس الذي ينتج نفس الحكم بلا احتياج إلى شئ آخر، وحينئذ يعتبر فيه اليقين السابق والشك اللاحق من المجتهد كما في سائر القواعد الأصولية، فبعد تحقق اليقين السابق والشك اللاحق من المجتهد بالنسبة إلى حكم شرعي كلي كنجاسة الماء المتمم كرا وحرمة وطء الحائض بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال، يستصحب هذا الحكم الكلي