أما الشبهة: فهي توهم أن مسألتي البراءة والاحتياط الشرعيين، خارجتان عن تعريف علم الأصول، لعدم توفر الشرط المتقدم فيهما، إذ الحكم المستفاد منهما في مواردهما إنما هو من باب التطبيق لا من باب الاستنباط.
وأما الدفع: لو سلمنا عملية التطبيق فيهما فلا نسلم أنهما خارجتان من مسائل هذا العلم وذلك لأنهما واجدتان لخصوصية بها امتازتا عن القواعد الفقهية، وهي كونهما بما ينتهي إليه أمر المجتهد في مقام الإفتاء بعد اليأس عن الظفر بالدليل الاجتهادي كإطلاق أو عموم، وهذا بخلاف تلك القواعد فإنها ليست واجدة لها، بل هي في الحقيقة أحكام كلية إلهية استنبطت من أدلتها لمتعلقاتها وموضوعاتها، تنطبق على مواردها بلا أخذ خصوصية فيها أصلا كاليأس عن الظفر بالدليل الاجتهادي ونحوه، فهما بتلك الخصوصية امتازتا عن القواعد الفقهية، ولأجلها دونتا في علم الأصول وعدتا من مسائله (1). وبذلك تبين لنا بكل وضوح الفرق بين القاعدة والعقليين منهما. أضف إلى ذلك عدم تحقق الحكم هناك من الأساس كما قال سيدنا الأستاذ اما الأصول العقلية فلا تنتهي: إلى حكم شرعي أصلا لا واقعا ولا ظاهرا (2).
واما الفرق بين القاعدة والاستصحاب فالتحقيق أنها قد تنطبق على الاستصحاب وقد تختلف كما قال سيدنا الأستاذ في أن البحث عن الاستصحاب هل يكون بحثا عن مسألة أصولية أو فقهية؟ فيقول: أما على القول باختصاص حجية الاستصحاب بالشبهات الموضوعية وعدم حجيته في الأحكام الكلية الإلهية كما هو المختار، فالبحث عنه يرجع إلى البحث عن قاعدة فقهية مستفادة من الأخبار فيكون الاستصحاب من القواعد الفقهية كقاعدة الطهارة وقاعدة التجاوز، ويعتبر فيه حينئذ اليقين السابق والشك اللاحق من المقلد، ولا يكفي