والعجب كل العجب من المالكيين الذين أتوا إلى عموم الله تعالى للسفر، وعموم رسول الله صلى الله عليه وسلم للسفر، (وما كان ربك نسيا) فخصوه بآرائهم! ولم يروا قصر الصلاة في سفر معصية! ثم أتوا إلى ما خصه الله تعالى وأبطل فيه العموم، من تحريمه الميتة جملة، ثم قال: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم) وقوله (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم): فقالوا بآرائهم: ان أكل الميتة والخنزير حلال للمضطر، وإن كان متجانفا لاثم وباغيا عاديا قاطعا للسبيل، منتظرا لرفاق المسلمين يغير على أموالهم ويسفك دماءهم! وهذا عجب جدا! * واحتج بعضهم في هذا بأن قالوا: حرام عليه قتل نفسه * فقلنا لهم: ولم يقتل نفسه؟! بل يتوب الآن من نيته الفاسدة، ويحل له أكل الميتة من حينه، والتوبة فرض عليه ولا بد * وقال أبو سليمان وأصحابنا: لا تقصر الصلاة إلا في حرج أو جهاد أو عمرة، وهو قول جماعة من السلف * كما روينا من طريق محمد بن أبي عدى (1) ثنا شعبة عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الأسود عن ابن مسعود قال: لا يقصر الصلاة إلا حاج أو مجاهد * وعن طاوس: انه كان يسأل عن قصر الصلاة؟ فيقول: إذا خرجنا حجاجا أو عمارا صلينا ركعتين * وعن إبراهيم التيمي: أنه كان لا يرى القصر إلا في حج أو عمرة أو جهاد * واحتجوا بقول الله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * وقالوا: لم يصل عليه السلام ركعتين الا في حج أو عمرة أو جهاد * قال علي: لو لم يرد الا هذه الآية وفعله عليه السلام لكان ما قالوا، لكن لما ورد على (2) لسانه عليه السلام ركعتان في السفر وأمر بقبول صدقة الله تعالى بذلك. كان هذا زائدا على ما في الآية وعلى عمله عليه السلام، ولا يحل ترك الاخذ بالشرع الزائد
(٢٦٨)