وقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) فصح بهذه النصوص (1) أنه لا يلزمنا من الشرائع الا ما استطعنا، وأن ما لم نستطعه فساقط عنا، وصح أن الله تعالى حرم علينا ترك الوضوء أو التيمم للصلاة الا أن نضطر إليه، والممنوع من الماء والتراب مضطر إلى ما حرم عليه من ترك التطهر بالماء أو التراب، فسقط عنا تحريم ذلك (2) عليه، وهو قادر على الصلاة بتوفيتها أحكامها وبالايمان (3) فبقي عليه ما قدر عليه فإذا (4)، صلى كما ذكرنا فقد صلى كما أمره الله تعالى، ومن صلى كما أمره الله تعالى فلا شئ عليه، والمبادرة إلى الصلاة في أول الوقت أفضل لما ذكرنا قبل * وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي فيمن هذه صفته (5) لا يصلى حتى يجد الماء متى وجده، قال أبو حنيفة: فان قدر على التيمم تيمم وصلى، ثم إذا وجد الماء أعاد ولا بد متى وجده، وان خشي الموت من البرد تيمم وصلى وأجزأه * وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي: يصلي كما هو، فإذا وجد الماء أعاد متى وجده، فان قدر في المصر على التراب تيمم وصلى، وأعاد أيضا ولا بد إذا وجد الماء، وقال زفر في المحبوس في المصر بحيث لا يجد ماء ولا ترابا أو بحيث يجد التراب -:
إنه لا يصلي أصلا حتى يجد الماء، لا بتيمم (6) ولا بلا تيمم، فإذا وجد الماء توضأ وصلى تلك الصلوات، وقال بعض أصحابنا: لا يصلي ولا يعيد، وقال أبو ثور: يصلي كما هو ولا يعيد (7) * قال علي أما قول أبي حنيفة فظاهر التناقض، لأنه لا يجيز الصلاة بالتيمم في المصر لغير المريض وخائف الموت، كما لا يجيز له الصلاة بغير الوضوء والتيمم ولا فرق، ثم فرق بينهما - وكلاهما عنده لا تجزيه صلاته - فأمر أحدهما بأن يصلي صلاة لا تجزيه، وأمر الآخر بأن لا يصليها، وذا خطأ لاخفاء به، فسقط هذا القول سقوطا