محرم فإن بكر بن محمد روى عن أبيه أنه سأله عن الرجل يبيع الطعام جزافا وقد عرف كيله وقلت له أن مالكا يقول إذا باع الطعام ولم يعلم المشتري فإن أحب أن يرده رده قال هذا تغليظ شديد ولكن لا يعجبني إذا عرف كيله الا أن نخبره فإن باعه فهو جائز عليه وقد أساء، ولم ير أبو حنيفة والشافعي بذلك بأسا لأنه إذا جاز البيع مع جهلهما بمقداره فمع العلم من أحدهما أولى؟ ووجه الأول ما روى الأوزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من عرف مبلغ شئ فلا يبعه جزافا حتى يبينه " قال القاضي، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام مجازفة وهو يعلم كيله، والنهى يقتضي التحريم وأيضا الاجماع الذي نقله مالك، ولان الظاهر أن البائع لا يعدل إلى البيع جزافا مع علمه بقدر الكيل إلا للتغرير بالمشتري والغش له ولذلك أثر في عدم لزوم العقد، وقد قال عليه السلام " من غشنا فليس منا " فصار كما لو دلس العيب فإن باع ما علم كيله صبرة فظاهر كلام احمد في رواية محمد بن الحكم أن البيع صحيح لازم، وهو قول مالك والشافعي لأن المبيع معلوم لهما ولا تغرير من أحدهما فأشبه ما لو علما كيله أو جهلاه، ولم يثبت ما روى من النهي فيه وإنما كرهه أحمد كراهة تنزيه لاختلاف العلماء فيه ولان استواءهما في العلم والجهل أبعد من التغرير، وقال القاضي وأصحابه هذا بمنزلة التدليس والغش ان علم به المشتري فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة فهو كما لو اشترى مصراة يعلم تصريتها، وان لم يعلم أن البائع كان عالما بذلك فله الخيار في الفسخ والامضاء وهذا قول مالك لأنه غش وغدر من البائع فصح العقد معه ويثبت للمشتري الخيار؟ وذهب قوم من أصحابنا إلى أن البيع فاسد لأنه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد (فصل) وان أخبره البائع بكيله ثم باعه بذلك الكيل فالبيع صحيح، فإن قبضه باكتياله تم البيع والقبض وان قبضه بغير كيل كان بمنزلة قبضه جزافا فإن كان المبيع باقيا كاله عليه فإن كان قدر حقه الذي أخبره به فقد استوفاه وإن كان زائدا رد الفضل وإن كان ناقصا اخذ النقص وإن كان قد تلف فالقول قول القابض في قدره مع يمينه سواء كان النقص قليلا أو كثيرا لأن الأصل عدم القبض وبقاء الحق، وليس للمشتري التصرف في الجميع قبل كيله لأن للبائع فيه علقة فإنه لو زاد كانت الزيادة له ولا يتصرف في أقل من حقه بغير كيل لأن ذلك يمنعه من معرفة كيله، وان تصرف فيما يتحقق أنه مستحق له مثل أن يكون حقه قفيزا فتصرف في ذلك أو في أقل منه بالكيل ففيه وجهان (أحدهما) له ذلك لأنه تصرف في حقه بعد قبضه فجاز كما لو كيل له (والثاني) لا يجوز لأنه لا يجوز له التصرف في الجميع فلم يجز له التصرف في البعض كما قبل القبض، وان قبضه بالوزن فهو كما لو قبضه جزافا فاما ان أعلمه بكيله ثم باعه إياه مجازفة على أنه له بذلك الثمن سواء كان زائدا أو ناقصا لم يجز لما روى الأثرم باسناده عن الحكم قال: قدم طعام لعثمان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " اذهبوا بنا إلى عثمان نعينه على طعامه " فقام إلى جنبة فقال عثمان في هذه الغرارة كذا وكذا وابتعتها بكذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سميت الكيل فكل " قال أحمد إذا أخبره البائع ان في كل قارورة منا فأخذ بذلك ولا يكتاله فلا يعجبني لقوله لعثمان " إذا سميت الكيل فكل " قيل له انهم يقولون
(٢٢٨)