وبعضها يرجع إلى المسروق فيه وهو المكان أما ما يرجع إلى السارق فأهلية وجوب القطع وهي العقل والبلوغ فلا يقطع الصبي والمجنون لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال رفع القلم عن ثلاثة الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حق يستيقظ أخبر عليه الصلاة والسلام ان القلم مرفوع عنهما وفى ايجاب القطع اجراء القلم عليهما وهذا خلاف النص ولان القطع عقوبة فيستدعى جناية وفعلهما لا يوصف بالجنايات ولهذا لم يجب عليهما سائر الحدود كذا هذا ويضمنان السرقة لان الجناية ليست بشرط لوجوب ضمان المال وإن كان السارق يجن مدة ويفيق أخرى فان سرق في حال جنونه لم يقطع وان سرق في حال الإفاقة يقطع ولو سرق جماعة فيهم صبي أو مجنون يدرأ عنهم القطع في قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله إن كان الصبي والمجنون هو الذي تولى إخراج المتاع درئ عنهم جميعا وإن كان وليه غيرهما قطعوا جميعا الا الصبي والمجنون (وجه) قوله إن الاخراج من الحرز هو الأصل في السرقة والإعانة كالتابع فإذا وليه الصبي أو المجنون فقد أتى بالأصل فإذا لم يجب القطع بالأصل كيف يجب بالتابع فإذا وليه بالغ عاقل فقد حصل الأصل منه فسقوطه عن التبع لا يوجب سقوطه عن الأصل (وجه) قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله ان السرقة واحدة وقد حصلت ممن يجب عليه القطع وممن لا يجب عليه القطع فلا يجب القطع على أحد كالعامد مع الخاطئ إذا اشتركا في القطع أو في القتل وقوله الاخراج أصل في السرقة مسلم لكنه حصل من الكل معنى لاتحاد الكل في معنى التعاون على ما بينا فيما تقدم فكان إخراج غير الصبي والمجنون كاخراج الصبي والمجنون ضرورة الاتحاد وعلى هذا الخلاف إذا كان فيهم ذو رحم محرم من المسروق منه انه لا قطع على أحد عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف يدرأ عن ذي الرحم المحرم ويجب على الأجنبي ولا خلاف في أنه إذا كان فيهم شريك المسروق منه انه لا قطع على أحد فاما الذكورة فليست بشرط لثبوت الأهلية فتقطع الأنثى لقوله تعال عز شأنه والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وكذلك الحرية فيقطع العبد والأمة والمدبر والمكاتب وأم الولد لعموم الآية الشريفة ويستوى الآبق وغيره لما قلنا وذكر في الموطأ ان عبدا لعبد الله بن سيدنا عمر رضي الله عنهما سرق وهو آبق فبعث إليه عبد الله إلى سعيد بن العاص رضي الله عنه ليقطع يده فأبى سعيد ان يقطع يده وقال لا تقطع يد الآبق إذا سرق فقال عبد الله في أيما كتاب الله تعالى عز شأنه وجدت هذا أن العبد الآبق إذا سرق لا تقطع يده فامر به عبد الله رضي الله عنه فقطعت يده ولان الذكورة والحرية ليست من شرائط سائر الحدود فكذا هذا الحد وكذا الاسلام ليس بشرط فيقطع المسلم والكافر لعموم آية السرقة * (فصل) * وأما ما يرجع إلى المسروق فأنواع (منها) أن يكون مالا مطلقا لا قصور في ماليته ولا شبهة وهو أن يكون مما يتموله الناس ويعدونه مالا لان ذلك يشعر بعزته وخطره عندهم ومالا يتمولونه فهو تافه حقير وقد روى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها انها قالت لم تكن اليد تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشئ التافه وهذا منها بيان شرع متقرر ولان التفاهة تخل في الحرز لان التافه لا يحرز عادة أو لا يحرز احراز الخطر والحرز المطلق شرط على ما نذكر وكذا تخل في الركن وهو الاخذ على سبيل الاستخفاء لان أخذ التافه مما لا يستخفى منه فيتمكن الخلل والشبهة في الركن والشبهة في باب الحدود ملحقة بالحقيقة ويخرج على هذا مسائل إذا سرق صبيا حرا لا يقطع لان الحر ليس بمال ولو سرق صبيا عبدا لا يتكلم ولا يعقل يقطع في قول أبي حنيفة وروى عن أبي يوسف رحمه الله لا يقطع (ووجهه) ان العبد ليس بمال محض بل هو مال من وجه آدمي من وجه فكان محل السرقة من وجه دون وجه فلا تثبت المحلية بالشك فلا يقطع كالصبي العاقل (ولنا) انه مال من كل وجه لوجود معنى المالية فيه على الكمال ولا يدله على نفسه فيتحقق ركن السرقة كالبهيمة وكونه آدميا لا ينفى كونه مالا فهو آدمي من كل وجه ومال من كل وجه لعدم التنافي فيتعلق القطع بسرقته من حيث إنه مال لا من حيث إنه آدمي بخلاف العاقل لأنه وإن كان مالا من كل وجه لكنه في يد نفسه فلا يتصور ثبوت يد غيره عليه للتنافي فلا يتحقق فيه ركن السرقة وهو الاخذ ولو سرق ميتة أو جلد ميتة لم يقطع لانعدام المال
(٦٧)