الله عنهم ولم ينقل أنه أنكر عليه أحد فيكون اجماعا ولان في اعتبار الشرط احتياطا في درء الحد لان الشهود إذا بدؤا بالرجم ربما استعظموا فعله فيحملهم ذلك على الرجوع عن الشهادة فيسقط الحد عن المشهود عليه بخلاف الجلد لأنا إنما عرفنا البداية شرطا استحسانا بالأثر فيسقط الحد عليه والأثر ورد في الرجم خاصة فيبقى أمر الجلد على أصل القياس ولان الجلد لا يحسنه كل أحد ففوض استيفاؤه إلى الأئمة بخلاف الرجم والله تعالى أعلم ومنها أهلية أداء الشهادة للشهود عند الإقامة في الحدود كلها حتى لو بطلت الأهلية بالفسق أو الردة أو الجنون أو العمى أو الخرس أو حد القذف بان فسق الشهود أو ارتدوا أو جنوا أو عموا أو خرسوا أو ضربوا حد القذف كلهم أو بعضهم لا يقام الحد على المشهود عليه لان اعتراض أسباب الجرح على الشهادة عند امضاء الحد بمنزلة اعتراضها عند القضاء به واعتراضها عند القضاء يبطل الشهادة فكذا عند الامضاء في باب الحدود عن القضاء وأما موت الشهود وغيبتهم عند الإقامة فلا يمنعان من الإقامة في سائر الحدود الا الرجم حتى لو ماتوا كلهم أو غابوا كلهم أو بعضهم يقام الحد على المشهود عليه الا الرجم لأنهما ليسا من أسباب الجرح لان أهلية الشهادة لا تبطل بالموت والغيبة بل تتناهى وتتقرر وتختم بها العدالة على وجه لا يحتمل الجرح وفى حد الرجم إنما يمنعان الإقامة لا لأنهما يجرحان في الشهادة بل لان البداية من الشهود شرط جواز الإقامة ولم توجد وروى عن محمد في الشهود إذا كانوا مقطوعين الأيدي أو بهم مرض لا يستطيعون الرمي ان الامام يرمى ثم الناس وجعل قطع اليد أو المرض عذرا في فوت البداية ولم يجعل الموت عذرا فيه وان ثبت الرجم بالاقرار يبدأ به الامام ثم الناس والله تعالى أعلم ومنها أن لا يكون في إقامة الجلدات خوف الهلاك لان هذا الحد شرع زاجر الا مهلكا فلا يجوز الإقامة في الحر الشديد والبرد الشديد لما في الإقامة فيهما من خوف الهلاك ولا يقام على مريض حتى يبرأ لأنه يجتمع عليه وجه المرض وألم الضرب فيخاف الهلاك ولا يقام على النفساء حتى ينقضي النفاس لان النفاس نوع مرض ويقام على الحائض لان الحيض ليس بمرض ولا يقام على الحامل حتى تضع وتطهر من النفاس لان فيه خوف هلاك الولد والوالدة ويقام الرجم في هذا كله الا على الحامل لان ترك الإقامة في هذه الأحوال للاحتراز عن الهلاك والرجم حد مهلك فلا معنى للاحتراز عن الهلاك فيه الا انه لا يقام على الحامل لان فيه اهلاك الولد بغير حق ولا يجمع الضرب في عضو واحد لأنه يفضى إلى تلف ذلك العضو أو إلى تمزيق جلده وكل ذلك لا يجوز بل يفرق الضرب على جميع الأعضاء من الكتفين والذراعين والعضدين والساقين والقدمين الا الوجه والفرج والرأس لان الضرب على الفرج مهلك عادة وقد روى عن سيدنا علي رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال اتق وجهه ومذاكيره والضرب على الوجه يوجب المثلة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة والرأس مجمع الحواس وفيه العقل فيخاف من الضرب عليه فوات العقل أو فوات بعض الحواس وفيه اهلاك الذات من وجه وقال أبو يوسف رحمه الله أيضا لا يضرب الصدر والبطن ويضرب الرأس سوطا أو سوطين أما الصدر والبطن فلان فيه خوف الهلاك وأما الرأس فلقول سيدنا عمر رضي الله عنه اضربوا الرأس فان فيه شيطانا والجواب ان الحديث ورد في قتل أهل الحرب خصوصا قوما كانوا بالشام يحلقون أوساط رؤسهم ثم تفريق الضرب على الأعضاء مذهبنا وقال الشافعي عليه الرحمة يضرب كله على الظهر وهذا ليس بسديد لان المأمور به هو الجلد وانه مأخوذ من ضرب الجلد والضرب على عضو واحد ممزق للجلد وبعد تمزيق الجلد لا يمكن الضرب على الجلد بعد ذلك ولان في الجمع على عضو واحد خوف الهلاك وهذا الحد شرع زاجرا لا مهلكا والله سبحانه وتعالى أعلم وأما كيفية إقامة الحدود فاما حد الرجم فلا ينبغي ان يربط المرجوم بشئ ولا ان يمسك ولا ان يحفر له إذا كان رجلا بل يقام قائما لان ماعزا لم يربط ولم يمسك ولا حفر له ألا يرى أنه روى أنه هرب من أرض قليلة الحجارة إلى أرض كثيرة الحجارة ولو ربط أو مسك أو حفر له لما قدر على الهرب وإن كان المرجوم امرأة فان شاء الامام حفر لها وان شاء لم يحفر أما الحفر فلانه أستر لها وقد روى أنه عليه الصلاة والسلام حفر للمرأة الغامدية
(٥٩)