تبارك وتعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله والنص وان ورد بلفظ الخطأ لكن غيره ملحق به الا أنه مجمل في بيان القدر والوصف فبين عليه الصلاة والسلام قدر الدية بقوله عليه الصلاة والسلام في النفس المؤمنة مائة من الإبل وبيان الوصف وهو الأجل ثبت باجماع الصحابة رضي الله عنهم بقضية سيدنا عمر رضي الله عنه بمحضر منهم فصار الأجل وصفا لكل دية وجبت بالنص وقوله دية الخطأ وجبت بطريق التخفيف والعامد يستحق التغليظ قلنا وقد غلظنا عليه من وجهين أحدهما بايجاب دية مغلظة والثاني بالايجاب في ماله والجاني لا يستحق التغليظ من جميع الوجوه وكذلك كل جزء من الدية تتحمله العاقلة أو تجب في مال القاتل فذلك الجزء تجب في ثلاث سنين كالعشرة إذا قتلوا رجلا خطأ أو شبه عمد حتى وجبت عليهم دية واحدة فعاقلة كل واحد منهم تتحمل عشرها في ثلاث سنين وكذلك العشرة إذا قتلوا رجلا واحدهم أبوه حتى وجبت عليهم دية واحدة في مالهم يجب على كل واحد منهم عشرها في ثلاث سنين لان الواجب على كل واحد منهم جزء من دية مؤجلة في ثلاث سنين فكان تأجيل الدية تأجيلا لكل جزء من أجزائها إذ الجزء لا يخالف الكل في وصفه ولا خلاف في أن بدل الصلح عن دم العمد يجب في ماله حالا لأنه لم يجب بالقتل وإنما وجب بالعقد فلا يتأجل الا بالشرط كثمن البيع ونحو ذلك وكذلك العبد إذا قتل انسانا خطأ واختار المولى الفداء يجب الفداء حالا لان الفداء لم يجب بالقتل بدلا من القتيل وإنما وجب بدلا عن دفع العبد والعبد لو دفع يدفع حالا فكذلك بدله والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا كان القاتل حرا والمقتول حرا فاما إذا كان القاتل حرا والمقتول عبدا فالعبد المقتول لا يخلو اما إن كان عبد أجنبي (واما) إن كان عبد القاتل فإن كان عبد أجنبي فيتعلق بهذا القتل حكمان أحدهما وجوب القيمة والكلام في القيمة في مواضع في بيان مقدار الواجب منها وفي بيان من تجب عليه وفي بيان من يتحمله وفي بيان كيفية الوجوب أما الأول فالعبد لا يخلو اما إن كان قليل القيمة (واما) إن كان كثير القيمة فإن كان قليل القيمة بأن كان قيمته أقل من عشرة آلاف درهم يجب قيمته بالغة ما بلغت بالاجماع وإن كانت قيمته عشرة آلاف أو أكثر اختلف فيه قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله يجب عشرة آلاف الا عشرة وروى عن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه يجب قيمته بالغة ما بلغت وهو قول الشافعي رحمه الله والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مثل مذهبنا وروى عن سيدنا عثمان وسيدنا على رضى الله تعالى عنهما مثل مذهبه والحاصل أن العبد آدمي ومال لوجود معنى الآدمية والمالية فيه وكل واحد منهما معتبر مضمون بالمثل والقيمة حالة الانفراد وبالقتل فوت المعنيين جميعا ولا وجه إلى ايجاب الضمان بمقابلة كل واحدة منهما على الانفراد فلا بد من ايجابه بمقابلة أحدهما واهدار الآخر فيقع الكلام في الترجيح فادعى الشافعي رحمه الله الترجيح من وجهين أحدهما أن الواجب مال ومقابلة المال بالمال أولى من مقابلة المال بالآدمي لان الأصل في ضمان العدوان الوارد على حق العبد أن يكون مقيدا بالمثل ولا مماثلة بين المال والآدمي فكان ايجابه بمقابلة المال موافقا للأصل فكان أولى والثاني أن الضمان وجب حقا للعبد وحقوق العباد تجب بطريق الجبر وفى ايجاب الضمان بمقابلة المالية جبر حق المفوت عليه من كل وجه (ولنا) النص ودلالة الاجماع والمعقول أما النص فقوله تبارك وتعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله وهذا مؤمن قتل خطأ فتجب الدية والدية ضمان الدم وضمان الدم لا يزاد على عشرة آلاف بالاجماع (وأما) دلالة الاجماع فهو أنا أجمعنا على أنه لو أقر على نفسه بالقصاص يصح وان كذبه المولى لولا أن الترجيح لمعنى الآدمية لما صح لأنه يكون اقراره اهدارا لمال المولى قصدا من غير رضاه وانه لا يملك ذلك (وأما) المعقول فمن وجهين أحدهما أن الآدمية فيه أصل والمالية عارض وتبع والعارض لا يعارض الأصل والتبع لا يعارض المتبوع ودليل أصالة الآدمية من وجوه أحدها انه كان خلق خلق آدميا ثم ثبت فيه وصف المالية بعارض الرق والثاني أن قيام المالية فيه بالآدمية وجودا وبقاء لا على القلب والثالث أن المال خلق وقاية للنفس والنفس ما خلقت وقاية للمال فكانت الآدمية فيه أصلا وجودا
(٢٥٧)