والمقتول واحدا فعفا عن القاتل سقط القصاص لان استيفاء لتحقق معنى الحياة وهذا المعنى يحصل بدون الاستيفاء بالعفو لأنه إذا عفا فالظاهر أنه لا يطلب الثار بعد العفو فلا يقصد قتل القاتل قتله فيحصل معنى الحياة بدون الاستيفاء فيسقط القصاص لحصول ما شرع له استيفاؤه بدونه وهكذا قال الحسن رحمه الله في تأويل قوله تعالى ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا أي من أحياها بالعفو وقيل في قوله تبارك وتعالى ذلك تخفيف من ربكم ورحمه ان ذلك العفو والصلح على ما قيل إن حكم التوراة القتل لا غير وحكم الإنجيل العفو بغير بدل لا غير فخفف سبحانه وتعالى على هذه الأمة فشرع العفو بلا بدل أصلا والصلح ببدل سواء عفا عن الكل أو عن البعض لان القصاص لا يتجزأ وذكر البعض فميا لا يتبعض ذكر الكل كالطلاق وتسليم الشفعة وغيرهما وإذا سقط القصاص بالعفو لا ينقلب مالا عندنا لان حق الولي في القصاص عينا وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله وقد أسقطه لا إلى بدل ومن له الحق إذا أسقط حقه مطلقا وهو من أهل الاسقاط والمحل قابل للسقوط يسقط مطلقا كالابراء عن الدين ونحو ذلك وعلى قوله الآخر الواجب أحدهما فإذا عفا عن القصاص انصرف إلى الواجب تصحيحا لتصرفه كمن له على آخر دراهم أو دنانير ولا ينوى أحدهما بعينه فأبرأه المديون عن أحدهما ليس له ان يطالبه بالآخر لما قلنا كذا هذا ولو عفا عنه ثم قتله بعد العفو يجب عليه القصاص عند عامة العلماء رضى الله تعالى عنهم وقال بعض الناس لا يجب واحتجوا بقوله تبارك وتعالى فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم جعل جزاء المعتدى وهو القاتل بعد العفو العذاب الأليم وهو عذاب الآخرة نستجير بالله سبحانه وتعالى من هو له فلو وجب القصاص في الدنيا لصار المذكور بعض الجزاء ولان القصاص في الدنيا يرفع عذاب الآخرة لقوله عليه الصلاة والسلام السيف محاء للذنوب وفيه نسخ الآية الشريفة (ولنا) عموما القصاص من غير فصل بين شخص وشخص وحال وحال الا شخصا أو حالا قيد بدليل وكذا الحكمة التي لها شرع القصاص وهو الحياة على ما بينا يقتضى الوجوب وأما الآية فقد قيل في بعض وجوه التأويل ان العذاب الأليم ههنا هو القصاص فان القتل غاية العذاب الدنيوي في الايلام فعلى هذا التأويل كانت الآية حجة عليهم وتحتمل هذا وتحتمل ما قالوا فلا تكون حجة مع الاحتمال وإن كان القصاص أكثر بان قتل رجلان واحدا فان عفا عنهما سقط القصاص أصلا لما ذكرنا وان عفا عن أحدهما سقط القصاص عنه وله أن يقتل الآخر لأنه استحق على كل واحد منهما قصاصا كاملا والعفو عن أحدهما لا يوجب العفو عن الآخر وذكر في المنتقى عن أبي يوسف رحمه الله انه يسقط القصاص عنهما لان طريق ايجاب القصاص عليهما ان يجعل كل واحد منهما قاتلا على الانفراد كان ليس معه غيره إذا القتل تفويت الحياة ولا يتصور تفويت حياة واحدة من كل واحد منهما على الكمال فيجعل كل واحد منهما قاتلا على الانفراد ويجعل قتل صاحبه عدما في حقه فإذا عفا عن أحدهما والعفو عن القاتل جعل فعل الآخر عدما تقديرا فيورث شبهة والقصاص لا يستوفى مع الشبهة وهذا ليس بسديد لان طريق ايجاب القصاص عليهما ليس ما ذكر وليس القتل اسما لتفويت الحياة بل هو اسم لفعل مؤثر في فوات الحياة عادة وهذا حصل لكل واحد منهما على الكمال فالعفو عن أحدهما لا يؤثر في الآخر هذا إذا كان الولي واحدا فاما إذا كان اثنين أو أكثر فعفا أحدهما سقط القصاص عن القاتل لأنه سقط نصيب العافي بالعفو فيسقط نصيب الآخر ضرورة أنه لا يتجزأ إذ القصاص قصاص واحد فلا يتصور استيفاء بعضه دون بعض وينقلب نصيب الآخر مالا باجماع الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم فإنه روى عن عمر و عبد الله بن مسعود وابن عباس رضى الله تعالى عنهم انهم أوجبوا في عفو بعض الأولياء الذين لم يعفوا نصيبهم من الدية وذلك بمحضر من الصحابة رضى الله تعالى عنهم ولم ينقل انه أنكر أحد عليهم فيكون اجماعا وقيل إن قوله تبارك وتعالى فمن عفى له من أخيه شئ نزلت في دم بين شركاء يعفو أحدهم عن القاتل فللآخرين ان يتبعوه بالمعروف في نصيبهم لأنه قال سبحانه وتعالى فمن عفى له من أخيه شئ وهذا العفو عن بعض الحق ويكون نصيب الآخر وهو
(٢٤٧)