عما خصه الامام لبعض الغزاة تحريضا لهم على القتال سمى نفلا لكونه زيادة على ما يسهم لهم من الغنيمة والتنفيل هو تخصيص بعض الغزاة بالزيادة نحو أن يقول الامام من أصاب شيئا فله ربعه أو ثلثه أو قال من أصاب شيئا فهو له أو قال من أخذ شيئا أو قال من قتل قتيلا فله سلبه أو قال لسرية ما أصبتم فلكم ربعه أو ثلثه أو قال فهو لكم وذلك جائز لان التخصيص بذلك تحريض على القتال وانه أمر مشروع ومندوب إليه قال الله تعالى عز شأنه يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال الا انه لا ينبغي للامام أن ينفل بكل المأخوذ لان التنفيل بكل المأخوذ قطع حق الغانمين عن النفل أصلا لكن مع هذا لو رأى الامام المصلحة في ذلك ففعله مع سرية جاز لان المصلحة قد تكون فيه في الجملة ويجوز التنفيل في سائر الأموال من الذهب والفضة والسلب وغير ذلك لان معنى التحريض على القتال يتحقق في الكل والسلب هو ثياب المقتول وسلاحه الذي معه ودابته التي ركبها بسرجها وآلاتها وما كان معه من مال في حقيبة على الدابة أو على وسطه (وأما) حقيبة غلامه وما كان مع غلامه من دابة أخرى فليس بسلب ولو اشتركا في قتل رجل كان السلب بينهما فان بدأ أحدهما فضربه ثم أجهزه الآخر بأن كانت الضربة الأولى قد أثخنته وصيرته إلى حال لا يقاتل ولا يعين على القتال فالسلب للأول لأنه قتيل الأول وإن كانت الضربة الأولى لم تصيره إلى هذه الحالة فالسلب للثاني لأنه قتيل الثاني ولو قتل رجل واحد قتيلين أو أكثر فله سلبه وهل يدخل الامام في التنفيل ان قال في جميع ذلك منكم لا يدخل لأنه خصهم وان لم يقل منكم يدخل لأنه عم الكلام هذا إذا نفل الامام فإن لم ينفل شيئا فقتل رجل من الغزاة قتيلا لم يختص بسلبه عندنا وقال الشافعي رحمه الله ان قتله مدبرا منهزما لم يختص بسلبه وان قتله مقبلا مقاتلا يختص بسلبه واحتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من قتل قتيلا فله سلبه وهذا منه عليه الصلاة والسلام نصب الشرع ولأنه إذا قتله مقبلا مقاتلا فقد قتله بقوة نفسه فيختص بالسلب وإذا قتله موليا منهزما فإنما قتله بقوة الجماعة فكان السلب غنيمة مقسومة (ولنا) ان القياس يأبى جواز النفل والاختصاص بالمصاب من السلب وغيره لان سبب الاستحقاق إن كان هو الجهاد وجد من الكل وإن كان هو الاستيلاء والإصابة والاخذ بذلك حصل بقوة الكل فيقتضى الاستحقاق للكل فتخصيص البعض بالتنفيل يخرج مخرج قطع الحق عن المستحق فينبغي أن لا يجوز الا انا استحسنا الجواز بالنص وهو قوله تبارك وتعالى يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال والتنفيل تحريض على القتال باطماع زيادة المال لان من له زيادة غنا وفضل شجاعة لا يرضى طبعه باظهار ذلك مع ما فيه من مخاطرة الروح وتعريض النفس للهلاك الا باطماع زيادة لا يشاركه فيه غيره فإذا لم يطمع لا يظهر فلا يستحق الزيادة والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) الحديث فلا حجة فيه لأنه يحتمل انه نصب ذلك القول شرعا ويحتمل أن يكون نصبه شرطا ويحتمل أنه نفل قوما بأعيانهم فلا يكون حجة مع الاحتمال نظيره قوله عليه الصلاة والسلام من أحيا أرضا ميتة فهي له انه لم يجعله أبو حنيفة حجة لملك الأرض المحياة بغير اذن الامام لمثل هذا الاحتمال والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) شرط جوازه فهو أن يكون قبل حصول الغنيمة في يد الغانمين فإذا حصلت في أيديهم فلا نفل لأن جواز التنفيل للتحريض على القتال وذا لا يتحقق الا قبل أخذ الغنيمة فان قيل أليس أنه روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل بعد احراز الغنيمة فالجواب أنه يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام إنما نفل من الخمس أو من الصفي الذي كان له في الغنائم ويحتمل أنه كان مما أفاء الله تعالى عليه فسماه الراوي غنيمة والله تعالى أعلم (وأما) حكم التنفيل فنوعان أحدهما اختصاص النفل بالمنفل حتى لا يشاركه فيه غيره وهل يثبت الملك فيه قبل الاحراز بدار الاسلام ففيه كلام نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى والثاني انه لا خمس في النفل لان الخمس إنما يجب في غنيمة مشتركة بين الغانمين والنفل ما أخلصه الامام لصاحبه وقطع شركة الاغيار عنه فلا يجب فيه الخمس ويشارك المنفل له الغزاة في أربعة أخماس ما أصابوا لان الإصابة أو الجهاد حصل بقوة الكل الا أن الامام خص البعض ببعضها وقطع حق الباقين عنه فبقي حق الكل متعلقا بما وراءه فيشاركهم فيه والله سبحانه وتعالى أعلم
(١١٥)