بمعصية فلا تجوز طاعتهم إياه فيها لقوله عليه الصلاة والسلام لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولو أمرهم بشئ لا يدرون أينتفعون به أم لا فينبغي لهم أن يطيعوه فيه إذا لم يعلموا كونه معصية لان اتباع الامام في محل الاجتهاد واجب كاتباع القضاة في مواضع الاجتهاد والله تعالى عز شأنه أعلم * (فصل) * وأما بيان ما يجب على الغزاة الافتتاح به حالة الوقعة ولقاء العدو فنقول وبالله التوفيق ان الامر فيه لا يخلو من أحد وجهين اما إن كانت الدعوة قد بلغتهم واما إن كانت لم تبلغهم فإن كانت الدعوة لم تبلغهم فعليهم الافتتاح بالدعوة إلى الاسلام باللسان لقول الله تبارك وتعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ولا يجوز لهم القتال قبل الدعوة لان الايمان وان وجب عليهم قبل بلوغ الدعوة بمجرد العقل فاستحقوا القتل بالامتناع لكن الله تبارك وتعالى حرم قتالهم قبل بعث الرسول عليه الصلاة والسلام وبلوغ الدعوة إياهم فضلا منه ومنه قطعا لمعذرتهم بالكلية وإن كان لا عذر لهم في الحقيقة لما أقام سبحانه وتعالى من الدلائل العقلية التي لو تأملوها حق التأمل ونظروا فيها لعرفوا حق الله تبارك وتعالى عليهم لكن تفضل عليهم بارسال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لئلا يبقى لهم شبهة عذر فيقولون ربنا لولا أرسلت الينا رسولا فنتبع آياتك وان لم يكن لهم أن يقولوا ذلك في الحقيقة لما بينا ولان القتال ما فوض لعينه بل للدعوة إلى الاسلام والدعوة دعوتان دعوة بالبنان وهي القتال ودعوة بالبيان وهو اللسان وذلك بالتبليغ والثانية أهون من الأولى لان في القتال مخاطرة الروح والنفس والمال وليس في دعوة التبليغ شئ من ذلك فإذا احتمل حصول المقصود بأهون الدعوتين لزم الافتتاح بها هذا إذا كانت الدعوة لم تبلغهم فإن كانت قد بلغتهم جاز لهم ان يفتتحوا القتال من غير تجديد الدعوة لما بينا ان الحجة لازمة والعذر في الحقيقة منقطع وشبهة العذر انقطعت بالتبليغ مرة لكن مع هذا الأفضل ان لا يفتتحوا القتال الا بعد تجديد الدعوة لرجاء الإجابة في الجملة وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقاتل الكفرة حتى يدعوهم إلى الاسلام فيما كان دعاهم غير مرة دل ان الافتتاح بتجديد الدعوة أفضل ثم إذا دعوهم إلى الاسلام فان أسلموا كفوا عنهم القتال لقوله عليه الصلاة والسلام أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الا الله فإذا قالوها عصموا منى دماهم وأموالهم الا بحقها وقوله عليه الصلاة والسلام من قال لا إله الا الله فقد عصم منى دمه وماله فان أبوا الإجابة إلى الاسلام دعوهم إلى الذمة الا مشركي العرب والمرتدين لما نذكره إن شاء الله تعالى بعد فان أجابوا كفوا عنهم لقوله عليه الصلاة والسلام فان قبلوا عقد الذمة فأعلمهم ان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وان أبوا استعانوا بالله وسبحانه وتعالى على قتالهم ووثقوا بعهد الله سبحانه وتعالى النصر لهم بعد ان بذلوا جهدهم واستفرغوا وسعهم وثبتوا وأطاعوا الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وذكروا الله كثيرا على ما قال تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين ولهم ان يقاتلوهم وان لم يبدؤا بالدعوة لقول الله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وسواء كان في الأشهر الحرام أو في غيرها لان حرمة القتال في الأشهر الحرم صارت منسوخة بآية السيف وغيرها من آيات القتال ولا بأس بالإغارة والبيات عليهم ولا بأس بقطع أشجارهم المثمرة وغير المثمرة وافساد زروعهم لقوله تبارك وتعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فباذن الله وليخزي الفاسقين اذن سبحانه وتعالى بقطع النخيل في صدر الآية الشريفة ونبه في آخرها ان ذلك يكون كبتا وغيظا للعدو بقوله تبارك وتعالى وليخزي الفاسقين ولا بأس باحراق حصونهم بالنار واغراقها بالماء وتخريبها وهدمها عليهم ونصب المنجنيق عليها لقوله تبارك وتعالى يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ولان كل ذلك من باب القتال لما فيه من قهر العدو وكبتهم وغيظهم ولان حرمة الأموال لحرمة أربابها ولا حرمة لأنفسهم حتى يقتلون فكيف لأموالهم ولا بأس برميهم بالنبال وان علموا ان فيهم مسلمين من الأسارى والتجار لما فيه من الضرورة إذ حصون الكفرة قلما تخلو من مسلم أسير أو تاجر فاعتباره يؤدى إلى انسداد باب
(١٠٠)