يرجعوا بعد ذلك (وجه) قول ابن أبي ليلى ان اجازتهم في حال الحياة صادفت محلها لان حقهم يتعلق بماله في مرض موته الا انه لا يظهر كون هذا المرض مرض الموت الا بالموت فإذا اتصل به الموت تبين انه كان مرض الموت فتبين ان حقهم كان متعلقا بماله فتبين انهم أسقطوا حقهم بالإجازة فجازت اجازتهم (ولنا) ان حقهم إنما يثبت عند الموت لأنه إنما يعلم بكون المرض مرض الموت عند الموت فإذا مات الآن علم كونه مرض الموت فيثبت حقهم الآن الا انه إذا ثبت حقهم عند الموت استند الحق الثابت إلى أول المرض والاستناد إنما يظهر في القائم لا في الماضي واجازتهم قد مضت لغوا ضائعا لانعدام الحق حال وجودها فلا تلحقها الإجازة والدليل على أن حق الورثة لا يثبت في حال المرض بطريق الظهور المحض ان المريض يحل له أن يطأ بجاريته ولو ثبت الملك عند الموت بطريق الظهور المحض لتبين انه وطئ ملك غيره فتبين انه كان حراما وليس كذلك بالاجماع على أن في اثبات الحق في المرض على طريق الظهور المحض ابطال الحقيقة عند الموت فلا يجوز اعتبار الحق للحال لابطال الحقيقة عند الموت فكان اعتباره من طريق الاستناد فيظهر في القائم لا في الماضي ولو أوصى بألف درهم من مال رجل أو عبد أو شئ آخر له فأجازه ذلك الرجل قبل موته أو بعد موته فله ان يرجع عنه ما لم يدفعه إلى الموصى له فإذا دفعه إليه جاز لأن جوازه ليس بجواز وصيته إذ لا ولاية على مال الغير وإنما جوازه جواز هبة من صاحب المال فلم تكن اجازته إجازة اسقاط حق بل هو عقد هبة منه لان تصرف الموصى صادف ملك غيره فوقف على اجازته فإذا اجازه الغير فوقع هبة من جهته لا وصية من الموصى كأنه وهبه ابتداء فان سلم جازت الهبة والا فلا بخلاف الوصية بما زاد على الثلث إذا أجازها الورثة انها تجوز ولا يشترط فيها التسليم إلى الموصى له لان التصرف هناك وقع وصية لمصادفته ملك نفسه فلا يفتقر إلى التسليم وإنما يفتقر إلى الإجازة فإذا وجدت الإجازة جازت الوصية ونفذت وسواء كان الموصى به جزأ مسمى كالثلث والنصف أو كان جميع المال أو كان عينا مشارا إليها بان أوصى بعبد له أو ثوب له انه يعتبر في ذلك كله الثلث فإن كان يخرج من ثلث جميع ماله فهو له وإن كان لا يخرج فله منه قدر ما يخرج وان لم يكن له مال آخر فله ثلثه والثلثان للورثة سواء كانت الوصية واحدة أو اجتمعت الوصايا انه ينفذ الكل من الثلث ان أمكن تنفيذ الكل منه وان لم يكن وضاق الثلث عن الكل يتضارب فيه ويقدم البعض على البعض عند وجود سبب التقدم وبيان هذه الجملة ان الوصايا إذا اجتمعت فالثلث لا يخلو اما إن كان يسع كل الوصايا واما ان لا يسع الكل فإن كان يسع الكل تنفذ الوصية من الثلث في الكل لان الوصية تعلقت بالكل وأمكن تنفيذها في الكل فتنفذ سواء كانت الوصايا لله تبارك وتعالى كالوصية بالقرب من الوصية بالحج الفرض والزكاة والصوم والصلاة والكفارات والنذور وصدقة الفطر والأضحية وحج التطوع وصوم التطوع وبناء المساجد واعتاق النسمة وذبح البدنة ونحو ذلك أو كانت للعباد كالوصية لزيد وعمرو وبكر وخالد وكذلك لو كان الثلث لا يسع الكل لكن الورثة أجازت (فأما) إذا كان الثلث لا يسع ولم تجز الورثة فالوصايا لا تخلو (اما) إن كانت لله تعالى عز وجل وهي الوصية بالقرب أو كان بعضها لله تعالى والبعض للعباد فإن كان الكل لله تعالى فلا يخلو (اما) إن كان الكل فرائض أو واجبات أو نوافل أو اجتمع في الوصايا من كل جنس من الفرائض والواجبات والتطوعات فإن كان الكل فرائض متساوية يبدأ بما قدمه الموصى لان عند تساويها لا يمكن الترجيح بالذات فيرجح بالبداية لان البداية دليل اهتمامه بما بدأ به لان الانسان يبدأ بالأهم فالأهم عادة واختلفت الرواية عن أبي يوسف في الحج والزكاة روى عنه انه يبدأ بالحج وان أخره الموصى في الذكر وروى عنه انه يبدأ بالزكاة وهو قول محمد (وجه) الرواية الأولى ان الحج عبادة بدنية والزكاة عبادة مالية والعبادة البدنية أولى لان النفس أنفس وأعز من المال فكان تقربا إلى الله تبارك وتعالى بأعز الأشياء وأنفسها عنده فكان أقوى فكانت البداية به أولى على أن الحج عبادة بدنية لها تعلق بالمال والزكاة عبادة ماليه لا تعلق لها بالبدن فكان الحج أقوى فكان أولى بالتقدم (وجه) الرواية الأخرى أن الحج تمحض حقا لله تعالى والزكاة يتعلق بها حق العبد فيقدم لحاجة العبد وغنا الله عز وجل وقالوا في الحج والزكاة انهما
(٣٧١)