لان الاحتراز عنه ممكن وقد وصل الماء إلى جوفه ولو أكره على الاكل أو الشرب فاكل أو شرب بنفسه مكرها وهو ذاكر لصومه فسد صومه بلا خلاف عندنا وعند زفر والشافعي لا يفسد وجه قولهما ان هذا أعذر من الناسي لان الناسي وجد منه الفعل حقيقة وإنما انقطعت نسبته عنه شرعا بالنص وهذا لم يوجد منه الفعل أصلا فكان أعذر من الناسي ثم لم يفسد صوم الناسي فهذا أولى ولنا ان معنى الركن قد فات لوصول المغذي إلى جوفه بسبب لا يغلب وجوده ويمكن التحرز عنه في الجملة فلا يبقى الصوم كما لو أكل أو شرب بنفسه مكرها وهذا لان المقصود من الصوم معناه وهو كونه وسيلة إلى الشكر والتقوى وقهر الطبع الباعث على الفساد على ما بينا ولا يحصل شئ من ذلك إذا وصل الغذاء إلى جوفه وكذا النائمة الصائمة جامعها زوجها ولم تنتبه أو المجنونة جامعها زوجها فسد صومها عندنا خلافا لزفر والكلام فيه على نحو ما ذكرنا ولو تمضمض أو استنشق فسبق الماء حلقه ودخل جوفه فإن لم يكن ذاكرا لصومه لا يفسد صومه لأنه لو شرب لم يفسد فهذا أولى وإن كان ذاكرا فسد صومه عندنا وقال ابن أبي ليلى إن كان وضوؤه للصلاة المكتوبة لم يفسد وإن كان للتطوع فسد وقال الشافعي لا يفسد أيهما كان وقال بعضهم ان تمضمض ثلاث مرات فسبق الماء حلقه لم يفسد ان زاد على الثلاث فسد وجه قول ابن أبي ليلى ان الوضوء للصلاة المكتوبة فرض فكل المضمضة والاستنشاق من ضرورات اكمال الفرض فكان الخطأ فيهما عذرا بخلاف صلاة التطوع وجه قول من فرق بين الثلاث وما زاد عليه ان السنة فيهما الثلاث فكان الخطأ فيهما من ضرورات إقامة السنة فكان عفوا وأما الزيادة على الثلاث فمن باب الاعتداء على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن زاد أو نقص فقد تعدى وظلم فلم يعذر فيه والكلام مع الشافعي على نحو ما ذكرنا في الاكراه يؤيد ما ذكرنا ان الماء لا يسبق الحلق في المضمضة والاستنشاق عادة الا عند المبالغة فيهما والمبالغة مكروهة في حق الصائم قال النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبره بالغ في المضمضة والاستنشاق الا أن تكون صائما فكان في المبالغة متعديا فلم يعذر بخلاف الناسي ولو احتلم في نهار رمضان فأنزل لم يفطره لقول النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث لا يفطرن الصائم القئ والحجامة والاحتلام ولأنه لا صنع له فيه فيكون كالناسي ولو نظر إلى امرأة وتفكر فأنزل لم يفطره وقال مالك ان تتابع نظره فطره لان التتابع في النظر كالمباشرة ولنا انه لم يوجد الجماع لا صورة ولا معنى لعدم الاستمتاع بالنساء فأشبه الاحتلام بخلاف المباشرة ولو كان يأكل أو يشرب ناسيا ثم تذكر فالقى اللقمة أو قطع الماء أو كان يتسحر فطلع الفجر وهو يشرب الماء فقطعه أو يأكل فالقى اللقمة فصومه تام لعدم الأكل والشرب بعد التذكر والطلوع ولو كان يجامع امرأته في النهار ناسيا لصومه فتذكر فنزع من ساعته أو كان يجامع في الليل فطلع الفجر وهو مخالط فنزع من ساعته فصوم تام وقال زفر فسد صومه وعليه القضاء وجه قوله إن جزأ من الجماع حصل بعد طلوع الفجر والتذكر وانه يكفي لفساد الصوم لوجود المضادة له وان قل ولنا ان الموجود منه بعد الطلوع والتذكر هو النزع والنزع ترك الجماع وترك الشئ لا يكون محصلا له بل يكون اشتغالا بضده فلم يوجد منه الجماع بعد الطلوع والتذكر رأسا فلا يفسد صومه ولهذا لم يفسد في الأكل والشرب كذا في الجماع وهذا إذا نزع بعدما تذكر أو بعدما طلع الفجر فاما إذا لم ينزع وبقى فعليه القضاء ولا كفارة عليه في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه فرق بين الطلوع والتذكر فقال في الطلوع عليه الكفارة وفى التذكر لا كفارة عليه وقال الشافعي عليه القضاء والكفارة فيهما جميعا وجه قوله إنه وجد الجماع في نهار رمضان متعمدا لوجوده بعد طلوع الفجر والتذكر فيوجب القضاء والكفارة وجه رواية أبى يوسف وهو الفرق بين الطلوع والتذكر ان في الطلوع ابتداء الجماع كان عمدا والجماع جماع واحد بابتدائه وانتهائه والجماع العمد يوجب الكفارة وأما في التذكر فابتداء الجماع كان ناسيا وجماع الناسي لا يوجب فساد الصوم فضلا عن وجوب الكفارة وجه ظاهر الرواية ان الكفارة إنما تجب بافساد الصوم وافساد الصوم يكون بعد وجوده وبقاؤه في الجماع يمنع وجود الصوم فإذا امتنع وجوده استحال الافساد فلا تجب الكفارة ووجوب القضاء لانعدام صومه اليوم لا لافساده بعد وجوده ولان هذا جماع لم يتعلق بابتدائه وجوب الكفارة فلا يتعلق بالبقاء عليه لان الكل فعل واحد
(٩١)