لزمه صوم الإقامة وهو صوم الشهر حتما فهو بالسفر يريد اسقاطه عن نفسه فلا يملك ذلك كاليوم الذي سافر فيه انه لا يجوز له أن يفطر فيه لما بينا كذا هذا ولعامة الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر جعل الله مطلق السفر سبب الرخصة ولان السفر إنما كان سبب الرخصة لمكان المشقة وانها توجد في الحالين فتثبت الرخصة في الحالين جميعا وأما وجه قولهما ان بالاهلال في الحضر لزمه صوم الإقامة فنقول نعم إذا أقام أما إذا سافر يلزمه صوم السفر وهو أن يكون فيه رخصة الافطار لقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فكان ما قلناه عملا بالآيتين فكان أولى بخلاف اليوم الذي سافر فيه لأنه كان مقيما في أول اليوم فدخل تحت خطاب المقيمين في ذلك اليوم فلزمه اتمامه حتما فاما اليوم الثاني والثالث فهو مسافر فلا يدخل تحت خطاب المقيمين ولان من المشايخ من قال إن الجزء الأول من كل يوم سبب لوجوب صوم ذلك اليوم وهو كان مقيما في أول الجزء فكان الجزء الأول سببا لوجوب صوم الإقامة وأما في اليوم الثاني والثالث فهو مسافر فيه فكان الجزء الأول في حقه سببا لوجوب صوم السفر فيثبت الوجوب مع رخصة الافطار ولو لم يترخص المسافر وصام رمضان جاز صومه وليس عليه القضاء في عدة من أيام أخر وقال بعض الناس لا يجوز صومه في رمضان ولا يعتد به ويلزمه القضاء وحكى القدوري فيه اختلافا بين الصحابة فقال يجوز صومه في قول أصحابنا وهو قول على وابن عباس وعائشة وعثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنهم وعند عمرو ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم لا يجوز وحجة هذا القول ظاهر قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أمر المسافر بالصوم في أيام أخر مطلقا سواء صام في رمضان أو لم يصم إذ الافطار غير مذكور في الآية فكان هذا من الله تعالى جعل وقت الصوم في حق المسافر أياما أخر وإذا صام في رمضان فقد صام قبل وقته فلا يعتد به في منع لزوم القضاء وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صام في السفر فقد عصى أبا القاسم والمعصية مضادة للعبادة وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الصائم في السفر كالمفطر في الحضر فقد حقق له حكم الافطار (ولنا) ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في السفر وروى أنه أفطر وكذا روى عن الصحابة انهم صاموا في السفر وروى أنهم أفطروا حتى روى أن عليا رضي الله عنه أهل هلال رمضان وهو يسير إلى نهروان فأصبح صائما ولان الله تعالى جعل المرض والسفر من الاعذار المرخصة للافطار تيسيرا وتخفيفا على أربابها وتوسيعا عليهم قال الله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر فلو تحتم عليهم الصوم في غير السفر ولا يجوز في السفر لكان فيه تعسير وتضييق عليهم وهذا يضاد موضوع الرخصة وينافى معنى التيسير فيؤدى إلى التناقض في وضع الشرع تعالى الله عن ذلك ولان السفر لما كان سبب الرخصة فلو وجب القضاء مع وجود الأداء لصار ما هو سبب الرخصة سبب زيادة فرض لم يكن في حق غير صاحب العذر وهو القضاء مع وجود الأداء فيتناقض ولأن جواز الصوم للمسافر في رمضان مجمع عليه فان التابعين أجمعوا عليه بعد وقوع الاختلاف فيه بين الصحابة رضي الله عنهم والخلاف في العصر الأول لا يمنع انعقاد الاجماع في العصر الثاني بل الاجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم عندنا على ما عرف في أصول الفقه وبه تبين ان الافطار مضمر في الآية وعليه اجماع أهل التفسير وتقديرها فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر وعلى ذلك يجرى ذكر الرخص على أنه ذكر الحظر في القرآن قال الله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير إلى قوله تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه أي من اضطر فأكل لأنه لا اثم يلحقه بنفس الاضطرار وقال تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدى أي فان أحصرتم فأحللتم فما استيسر من الهدى لأنه معلوم انه على النسك من الحج ما لم يوجد الاحلال وقال الله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أي فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه فحلق ودفع الأذى عن رأسه ففدية من صيام ونظائره كثيرة في القرآن والحديثان محمولان على ما إذا كان الصوم بجهده ويضعفه فإذا لم يفطر في السفر في هذه الحالة صار كالذي أفطر في الحضر لأنه يجب عليه الافطار في هذه الحالة لما في الصوم
(٩٥)