على ما ذكرنا وروى عن أبي يوسف في الصبي يبلغ قبل الزوال أو أسلم الكافر أن عليهما القضاء ووجهه انهما أدركا وقت النية فصار كأنهما أدركا من الليل والصحيح جواب ظاهر الرواية لما ذكرنا ان الصوم لا يتجزأ وجوبا فإذا لم يجب عليهما البعض لم يجب الباقي أو لما في ايجاب القضاء من الحرج وأما العقل فهل هو من شرائط الوجوب وكذا الإفاقة واليقظة قال عامة مشايخنا انها ليست من شرائط الوجوب ويجب صوم رمضان على المجنون والمغمى عليه والنائم لكن أصل الوجوب لا وجوب الأداء بناء على أن عندهم الوجوب نوعان أحدهما أصل الوجوب وهو اشتغال الذمة بالواجب وانه ثبت بالأسباب لا بالخطاب ولا تشترط القدرة لثبوته بل ثبت جبرا من الله تعالى شاء العبد أو أبى والثاني وجوب الأداء وهو اسقاط ما في الذمة وتفريغها من الواجب وانه ثبت بالخطاب وتشترط له القدرة على فهم الخطاب وعلى أداء ما تناوله الخطاب لان الخطاب لا يتوجه إلى العاجز عن فهم الخطاب ولا على العاجز عن فعل ما تناوله الخطاب والمجنون لعدم عقله أو لاستتاره والمغمى عليه والنائم لعجزهما عن استعمال عقلهما عاجزون عن فهم الخطاب وعن أداء ما تناوله الخطاب فلا يثبت وجوب الأداء في حقهم ويثبت أصل الوجوب في حقهم لأنه لا يعتمد القدرة بل يثبت جبرا وتقرير هذا الأصل معروف في أصول الفقه وفى الخلافيات وقال أهل التحقيق من مشايخنا بما وراء النهر ان الوجوب في الحقيقة نوع واحد وهو وجوب الأداء فكل من كان من أهل الأداء كان من أهل الوجوب ومن لا فلا وهو اختيار أستاذي الشيخ الأجل الزاهد علاء الدين رئيس أهل السنة محمد بن أحمد السمرقندي رضي الله عنه لان الوجوب المعقول هو وجوب الفعل كوجوب الصوم والصلاة وسائر العبادات فمن لم يكن من أهل أداء الفعل الواجب وهو القادر على فهم الخطاب والقادر على فعل ما يتناوله الخطاب لا يكون من أهل الوجوب ضرورة والمجنون والمغمى عليه والنائم عاجزون عن فعل الخطاب بالصوم وعن أدائه إذ الصوم الشرعي هو الامساك لله تعالى ولن يكون ذلك بدون النية وهؤلاء ليسوا من أهل النية فلم يكونوا من أهل الأداء فلم يكونوا من أهل الوجوب والذي دعا الأولين إلى القول بالوجوب في حق هؤلاء ما انعقد الاجماع عليه من وجوب القضاء على المغمى عليه والنائم بعد الإفاقة والانتباه بعد مضى بعض الشهر أو كله وما قد صح من مذهب أصحابنا رحمهم الله في المجنون إذا أفاق في بعض شهر رمضان أنه يجب عليه قضاء ما مضى من الشهر فقالوا إن وجوب القضاء يستدعى فوات الواجب المؤقت عن وقته مع القدرة عليه وانتفاء الحرج فلا بد من الوجوب في الوقت ثم فواته حتى يمكن ايجاب القضاء فاضطرهم ذلك إلى اثبات الوجوب في حال الجنون والاغماء والنوم وقال الآخرون ان وجوب القضاء لا يستدعى سابقية الوجوب لا محالة وإنما يستدعى فوت العبادة عن وقتها والقدرة على القضاء من غير حرج ولذلك اختلفت طرقهم في المسألة وهذا الذي ذكرنا في المجنون إذا أفاق في بعض شهر رمضان أنه يلزمه قضاء ما مضى جواب الاستحسان والقياس أن لا يلزمه وهو قول زفر والشافعي وأما المجنون جنونا مستوعبا بأن جن قبل دخول شهر رمضان وأفاق بعد مضيه فلا قضاء عليه عند عامة العلماء وعند مالك يقضى وجه القياس أن القضاء هو تسليم مثل الواجب ولا وجوب على المجنون لان الوجوب بالخطاب ولا خطاب عليه لانعدام القدرتين ولهذا لم يجب القضاء في الجنون المستوعب شهرا وجه قول أصحابنا أما من قال بالوجوب في حال الجنون يقول فإنه الواجب عن وقته وقدر على قضائه من غير حرج فليزمه قضاؤه قياسا على النائم والمغمى عليه ودليل الوجوب لهم وجود سبب الوجوب وهو الشهر إذ الصوم يضاف إليه مطلقا يقال صوم الشهر والإضافة دليل السببية وهو قادر على القضاء من غير حرج وفى ايجاب القضاء عند الاستيعاب حرج وأما من أبى القول بالوجوب في حال الجنون يقول هذا شخص فاته صوم شهر رمضان وقدر على قضائه من غير حرج فيلزمه قضاؤه قياسا على النائم والمغمى عليه ومعنى قولنا فاته صوم شهر رمضان أي لم يصم شهر رمضان وقولنا من غير حرج فلانه لا حرج في قضاء نصف الشهر وتأثيرها من وجهين أحدهما أن الصوم عبادة والأصل في العبادات وجوبها على الدوام بشرط الامكان وانتفاء الحرج لما ذكرنا في
(٨٨)