العيد وأيام التشريق روى محمد عن أبي حنيفة انه يصح نذره لكن الأفضل أن يفطر فيها ويصوم في أيام أخر ولو صام في هذه الأيام يكون مسيئا لكنه يخرج عنه النذر لأنه أوجب ناقصا وأداه ناقصا وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يصح نذره ولا يلزمه شئ وهكذا روى ابن المبارك عن أبي حنيفة وهو قول زفر والشافعي والمسألة مبنية على جواز صوم هذه الأيام وعدم جوازه وقد مرت فيما تقدم ولو شرع في صوم هذه الأيام ثم أفسده لا يلزمه القضاء في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يلزمه وجه قولهما أن الشروع في التطوع سبب الوجوب كالنذر فإذا وجب المضي فيه وجب القضاء بالافساد كما لو شرع في التطوع في سائر الأيام ثم أفسده ولأبي حنيفة أن الشروع ليس سبب الوجوب وضعا وإنما الوجوب يثبت ضرورة صيانة للمؤدى عن البطلان والمؤدى ههنا لا يجب صيانته لمكان النهى فلا يجب المضي فيه فلا يضمن بالافساد ولو شرع في الصلاة في أوقات مكروهة فافسدها ففيه روايتان عن أبي حنيفة في رواية لا قضاء عليه كما في الصوم وفى رواية عليه القضاء بخلاف الصوم وقد ذكرنا وجوه الفرق في كتاب الصلاة وأما صوم رمضان فوقته شهر رمضان لا يجوز في غيره فيقع الكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان وقت صوم رمضان والثاني في بيان ما يعرف به وقته أما الأول فوقت صوم رمضان شهر رمضان لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه أي فليصم في الشهر وقول النبي صلى الله عليه وسلم وصوموا شهركم أي في شهركم لان الشهر لا يصام وإنما يصام فيه وأما الثاني وهو بيان ما يعرف به وقته فإن كانت السماء مصحية يعرف برؤية الهلال وإن كانت متغيمة يعرف باكمال شعبان ثلاثين يوما لقول النبي صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما ثم صوموا وكذلك ان غم على الناس هلال شوال أكملوا عدة رمضان ثلاثين يوما لان الأصل بقاء الشهر وكماله فلا يترك هذا الأصل الا بيقين على الأصل المعهود أن ما ثبت بيقين لا يزول الا بيقين مثله فإن كانت السماء مصحية ورأي الناس الهلال صاموا وان شهد واحد برؤية الهلال لا تقبل شهادته ما لم تشهد جماعة يقع العلم للقاضي بشهادتهم في ظاهر الرواية ولم يقدر في ذلك تقديرا وروى عن أبي يوسف أنه قدر عدد الجماعة بعدد القسامة خمسين رجلا وعن خلف بن أيوب أنه قال خمسمائة ببلخ قليل وقال بعضهم ينبغي أن يكون من كل مسجد جماعة واحد أو اثنان وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يقبل فيه شهادة الواحد العدل وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى وقال في قول آخر تقبل فيه شهادة اثنين وجه رواية الحسن رحمه الله تعالى أن هذا من باب الاخبار لا من باب الشهادة بدليل أنه تقبل شهادة الواحد إذا كان بالسماء علة ولو كان شهادة لما قبل لان العدد شرط في الشهادات وإذا كان اخبار الا شهادة فالعدد ليس بشرط في الاخبار عن الديانات وإنما تشترط العدالة فقط كما في رواية الاخبار عن طهارة الماء ونجاسته ونحو ذلك وجه ظاهر الرواية ان خبر الواحد العدل إنما يقبل فيما لا يكذبه الظاهر وههنا الظاهر يكذبه لان تفرده بالرؤية مع مساواة جماعة لا يحصون إياه في الأسباب الموصلة إلى الرؤية وارتفاع الموانع دليل كذبه أو غلطه في الرؤية وليس كذلك إذا كان بالسماء علة لان ذلك يمنع التساوي في الرؤية لجواز ان قطعة من الغيم انشقت فظهر الهلال فرآه واحد ثم استتر بالغيم من ساعته قبل أن يراه غيره وسواء كان هذا الرجل من المصر أو من خارج المصر وشهد برؤية الهلال انه لا تقبل شهادته في ظاهر الرواية وذكر الطحاوي انه تقبل وجه رواية الطحاوي ان المطالع تختلف بالمصر وخارج المصر في الظهور والخفاء لصفاء الهواء خارج المصر فتختلف الرؤية وجه ظاهر الرؤية ان المطالع لا تختلف الا عند المسافة البعيدة الفاحشة وعلى هذا الرجل الذي أخبر أن يصوم لان عنده ان هذا اليوم من رمضان والانسان يؤاخذ بما عنده فان شهد فرد الامام شهادته ثم أفطر يقضى لأنه أفسد صوم رمضان في زعمه فيعامل بما عنده وهل تلزمه الكفارة قال أصحابنا لا تلزمه وقال الشافعي تلزمه إذا أفطر بالجماع وان أفطر قبل أن يرد الامام شهادته فلا رواية عن أصحابنا في وجوب الكفارة واختلف المشايخ فيه قال بعضهم تجب وقال بعضهم لا تجب وجه قول الشافعي انه أفطر في يوم علم أنه من رمضان لوجود دليل العلم في حقه وهو الرؤية وعدم علم غيره لا يقدح في علمه
(٨٠)