الشافعي في صوم رمضان فهو يحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا صيام لمن لم يعزم الصوم من الليل ولان الامساك من أول النهار إلى آخره ركن فلا بد له من النية ليصير لله تعالى وقد انعدمت في أول النهار فلم يقع الامساك في أول النهار لله تعالي لفقد شرطه فكذا الباقي لان صوم الفرض لا يتجزأ ولهذا لا يجوز صوم القضاء والكفارات والنذور المطلقة بنية من النهار وكذا صوم رمضان ولنا قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل أباح للمؤمنين الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر وأمر بالصيام عنها بعد طلوع الفجر متأخرا عنه لان كلمة ثم للتعقيب مع التراخي فكان هذا أمرا بالصوم متراخيا عن أول النهار والامر بالصوم أمر بالنية إذ لا صحة للصوم شرعا بدون النية فكان أمرا بالصوم بنية متأخرة عن أول النهار وقد أتى به فقد أتى بالمأمور به فيخرج عن العهدة وفيه دلالة ان الامساك في أول النهار يقع صوما وجدت فيه النية أو لم توجد لان اتمام الشئ يقتضى سابقية وجود بعض منه ولأنه صام رمضان في وقت متعين شرعا لصوم رمضان لوجود ركن الصوم مع شرائطه التي ترجع إلى الأهلية والمحلية ولا كلام في سائر الشرائط وإنما الكلام في النية ووقتها وقت وجود الركن وهو الامساك وقت الغداء المتعارف والامساك في أول النهار شرط وليس بركن لان ركن العبادة ما يكون شاقا على البدن مخالفا للعادة وهو النفس وذلك هو الامساك وقت الغداء المتعارف فأما الامساك في أول النهار فمعتاد فلا يكون ركنا بل يكون شرطا لأنه وسيلة إلى تحقيق معنى الركن الا انه لا يعرف كونه وسيلة للحال لجواز أن لا ينوى وقت الركن فإذا نوى ظهر كونه وسيلة من حين وجوده والنية تشترط لصيرورة الامساك الذي هو ركن عبادة لا لما يصير عبادة بطريق الوسيلة على ما قررنا في الخلافيات وأما الحديث فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخا للكتاب لكنه يصلح مكملا له فيحمل على نفى الكمال كقوله لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد ليكون عملا بالدليلين بقدر الامكان وأما صيام القضاء والنذور والكفارات فما صامها في وقت متعين لها شرعا لأن خارج رمضان متعين للنفل موضوع له شرعا الا أن يعينه لغيره فإذا لم ينو من الليل صوما آخر بقي الوقت متعينا للتطوع شرعا فلا يملك تغييره فاما ههنا فالوقت متعين لصوم رمضان وقد صامه لوجود ركن الصوم وشرائطه على ما بينا واما الكلام مع زفر في المسافر إذا صام رمضان بنية من النهار فوجه قوله إن الصوم غير واجب على المسافر في رمضان حتما ألا ترى ان له أن يفطر والوقت غير متعين لصوم رمضان في حقه فان له أن يصوم عن واجب آخر فأشبه صوم القضاء خارج رمضان وذا لا يتأدى بنية من النهار كذا هذا ولنا ان الصوم واجب على المسافر في رمضان وهو العزيمة في حقه الا ان له أن يترخص بالافطار وله أن يصوم عن واجب آخر عند أبي حنيفة بطريق الرخصة والتيسير أيضا لما فيه من اسقاط الفرض عن ذمته على ما بينا فيما تقدم فإذا لم يفطر ولم ينو واجبا آخر بقي صوم رمضان واجبا عليه وقد صامه فيخرج عن العهدة كالمقيم سواء ويتصل بهذين الفصلين وهو بيان كيفية النية ووقت النية مسألة الأسير في يد العدو إذا اشتبه عليه شهر رمضان فتحرى وصام شهرا عن رمضان وجملة الكلام فيه انه إذا صام شهرا عن رمضان لا يخلوا ما ان وافق شهر رمضان أو لم يوافق بان تقدم أو تأخر فان وافق جاز وهذا لا يشكل لأنه أدى ما عليه وان تقدم لم يجز لأنه أدى الواجب قبل وجوبه وقبل وجود سبب وجوبه وان تأخر فان وافق شوال يجوز لكن يراعى فيه موافقة الشهرين في عدد الأيام وتعيين النية ووجودها من الليل وأما موافقة العدد فلان صوم شهر آخر بعده يكون قضاء والقضاء يكون على قدر الفائت والشهر قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين يوما وأما تعيين النية ووجودها من الليل فلان صوم القضاء لا يجوز بمطلق النية ولا بنية من النهار لما ذكرنا فيما تقدم وهل تشترط نية القضاء ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي انه لا يشترط وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه يشترط والصحيح ما ذكره القدوري لأنه نوى ما عليه من صوم رمضان وعليه القضا فكان ذلك منه تعيين نية القضاء وبيان هذه الجملة انه إذا وافق صومه شهر شوال ينظر إن كان رمضان كاملا وشوال كاملا قضى يوما واحدا لأجل يوم الفطر لان صوم القضاء لا يجوز فيه وإن كان رمضان كاملا
(٨٦)