بمجاورته وان لم يكن نجسا بنفسه وكونه أصل الآدمي لا ينفى أن يكون نجسا كالعلقة والمضغة وما روى من الحديث يحتمل انه كان قليلا ولا عموم له لأنه حكاية حال أو نحمله على ما قلنا توفيقا بين الدلائل وتشبيه ابن عباس رضي الله عنهما إياه بالمخاط يحتمل انه كان في الصورة لا في الحكم لتصوره بصورة المخاط والامر بالإماطة بالإذخر لا ينفى الامر بالإزالة بالماء فيحتمل انه أمر بتقديم الإماطة كيلا تنتشر النجاسة في الثوب فيتعسر غسله (وأما) الدم الذي يكون على رأس الجرح والقئ إذا كان أقل من ملء الفم فقد روى عن أبي يوسف انه ليس بنجس وهو قياس ما ذكره الكرخي لأنه لا يجب بخروجه الوضوء وعند محمد نجس هو يقول إنه جزء من الدم المسفوح والدم المسفوح نجس بجميع أجزائه وأبو يوسف يقول إنه ليس بمسفوح بنفسه والنجس هو الدم المسفوح لقوله تعالى قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس والرجس هو النجس فظاهر الآية يقتضى أن لا محرم سواها فيقتضى ان لا نجس سواها إذ لو كان لكان محرما إذ النجس محرم وهذا خلاف ظاهر الآية ووجه آخر من الاستدلال بظاهر الآية انه نفى حرمة غير المذكور وأثبت حرمة المذكور وعلل لتحريمه بأنه رجس أي نجس ولو كان غير المذكور نجسا لكان محرما لوجود علة التحريم وهذا خلاف النص لأنه يقتضى ان لا محرم سوى المذكور فيه ودم البق والبراغيث ليس بنجس عندنا حتى لو وقع في الماء القليل لا ينجسه ولو أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم لا يمنع جواز الصلاة وقال الشافعي هو نجس لكنه معفو عنه في الثوب للضرورة (واحتج) بقوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم من غير فصل بين السائل وغيره والحرمة لا للاحترام دليل النجاسة (ولنا) قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما الآية والاستدلال بها من الوجهين اللذين ذكرناهما ولان صيانة الثياب والأواني عنها متعذرة فلو أعطى لها حكم النجاسة لوقع الناس في الجرح وانه منفى شرعا بالنص وبهذين الدليلين تبين ان المراد من المطلق المقيد وهو الدم المسفوح ودم الأوزاغ نجس لأنه سائل وكذا الدماء السائلة من سائر الحيوانات لما قلنا بل أولى لأنه لما كان نجسا من الآدمي المكرم فمن غيره أولى (وأما) دم السمك فقد روى عن أبي يوسف انه نجس وبه أخذ الشافعي اعتبارا بسائر الدماء وعند أبي حنيفة ومحمد طاهر لاجماع الأمة على إباحة تناوله مع دمه ولو كان نجسا لما أبيح ولأنه ليس بدم حقيقة بل هو ماء تلون بلون الدم لان الدموي لا يعيش في الماء والدم الذي يبقى في العروق واللحم بعد الذبح طاهر لأنه ليس بمسفوح ولهذا حل تناوله مع اللحم وروى عن أبي يوسف انه معفو في الاكل غير معفو في الثياب لتعذر الاحتراز عنه في الاكل وامكانه في الثوب (ومنها) ما يخرج من أبدان سائر الحيوانات من البهائم من الأبوال والأرواث على الاتفاق والاختلاف (أما) الأبوال فلا خلاف في أن بول كل ما لا يؤكل لحمه نجس واختلف في بول ما يؤكل لحمه قال أبو حنيفة وأبو يوسف نجس وقال محمد طاهر حتى لو وقع في الماء القليل لا يفسده ويتوضأ منه ما لم يغلب عليه (واحتج) بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أباح للعرنيين شرب أبوال إبل الصدقة وألبانها مع قوله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وقوله ليس في الرجس شفاء فثبت انه طاهر (ولهما) حديث عمار إنما يغسل الثوب من خمس وذكر من جملتها البول مطلقا من غير فصل وما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال استنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه من غير فصل وقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث ومعلوم ان الطباع السليمة تستخبثه وتحريم الشئ لا لاحترامه وكرامته تنجيس له شرعا ولان معنى النجاسة فيه موجود وهو الاستقذار الطبيعي لاستحالته إلى فساد وهي الرائحة المنتنة فصار كروثه وكبول ما لا يؤكل لحمه وأما الحديث فقد ذكر قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشرب ألبانها دون أبوالها فلا يصح التعلق به على أنه يحتمل ان النبي صلى الله عليه وسلم عرف بطريق الوحي شفاءهم فيه والاستشفاء بالحرام جائز عند التيقن لحصول الشفاء فيه كتناول الميتة عند المخمصة والخمر عند العطش وإساغة اللقمة وإنما لا يباح بما لا يستيقن حصول الشفاء به ثم عند أبي يوسف يباح شربه للتداوي لحديث
(٦١)