يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يده ولو كان الماء لا ينجس بالغمس لم يكن للنهي والاحتياط لوهم النجاسة معنى وكذا الاخبار مستفيضة بالامر بغسل الإناء من ولوغ الكلب مع أنه لا يغير لونه ولا طعمه ولا ريحه وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من جنابة من غير فصل بين دائم ودائم وهذا نهى عن تنجيس الماء لان البول والاغتسال فيما لا يتنجس لكثرته ليس بمنهى فدل على كون الماء الدائم مطلقا محتملا للنجاسة إذا النهى عن تنجيس مالا يحتمل النجاسة ضرب من السفه وكذا الماء الذي يمكن الاغتسال فيه يكون أكثر من قلتين والبول والاغتسال فيه لا يغير لونه ولا طعمه ولا ريحه وعن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما أنهما أمرا في زنجي وقع في بئر زمزم بنزح ماء البئر كله ولم يظهر أثره في الماء وكان الماء أكثر من قلتين وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر عليهما أحد فانعقد الاجماع من الصحابة على ما قلنا وعرف بهذا الاجماع أن المراد بما رواه مالك هو الماء الكثير الجاري وبه تبين أن ما رواه الشافعي غير ثابت لكونه مخالفا لاجماع الصحابة رضي الله عنهم وخبر الواحد إذا ورد مخالفا للاجماع يرد يدل عليه أن علي بن المديني قال لا يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبو داود السجستاني وقال لا يكاد يصح لواحد من الفريقين حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تقدير الماء ولهذا رجع أصحابنا في التقدير إلى الدلائل الحسية دون الدلائل السمعية ثم اختلفوا في تفسير الخلوص فاتفقت الروايات عن أصحابنا أنه يعتبر الخلوص بالتحريك وهو أنه إن كان بحال لو حرك طرف منه يتحرك الطرف الآخر فهو مما يخلص وإن كان لا يتحرك فهو مما لا يخلص وإنما اختلفوا في جهة التحريك فروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه يعتبر التحريك بالاغتسال من غير عنف وروى محمد عنه أنه يعتبر التحريك بالوضوء وفى رواية باليد من غير اغتسال ولا وضوء واختلف المشايخ فالشيخ أبو حفص الكبير البخاري اعتبر الخلوص بالصبغ وأبو نصر محمد بن محمد بن سلام اعتبره بالتكدير وأبو سليمان الجوزجاني اعتبره بالمساحة فقال إن كان عشرا في عشر فهو مما لا يخلص وإن كان دونه فهو مما يخلص وعبد الله بن المبارك اعتبره بالعشرة أولا ثم بخمسة عشر واليه ذهب أبو مطيع البلخي فقال إن كان خمسة عشر في خمسة عشر أرجو أن يجوز وإن كان عشرين في عشرين لا أجد في قلبي شيئا وروى عن محمد أنه قدره بمسجده فكان مسجده ثمانيا في ثمان وبه أخذ محمد بن سلمة وقيل كان مسجده عشرا في عشر وقيل مسح مسجده فوجد داخله ثمانيا في ثمان وخارجه عشرا في عشر وذكر الكرخي وقال لا عبرة للتقدير في الباب وإنما المعتبر هو التحري فإن كان أكبر رأيه أن النجاسة خلصت إلى هذا الموضع الذي يتوضأ منه لا يجوز وإن كان أكبر رأيه انها لم تصل إليه يجوز لان العمل بغالب الرأي وأكبر الظن في الأحكام واجب الا يرى أن خبر الواحد العدل يقبل في نجاسة الماء وطهارته وإن كان لا يفيد برد اليقين وكذلك قال أصحابنا في الغدير العظيم الذي لو حرك طرف منه لا يتحرك الطرف الآخر إذا وقعت فيه النجاسة انه إن كان في غالب الرأي انها وصلت إلى الموضع الذي يتوضأ منه لا يجوز وإن كان فيه انها لم تصل يجوز وذكر في كتاب الصلاة في الميزاب إذا سال على إنسان انه إن كان غالب ظنه أنه نجس يجب غسله والا فلا وان لم يستقر قلبه على شئ لا يجب غسله في الحكم ولكن المستحب أن يغسل وأما حوض الحمام الذي يخلص بعضه إلى بعض إذا وقعت فيه النجاسة أو توضأ انسان روى عن أبي يوسف انه إن كان الماء يجرى من الميزاب والناس يغترفون منه لا يصير نجسا وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة لأنه بمنزلة الماء الجاري ولو تنجس الحوض الصغير بوقوع النجاسة فيه ثم بسط ماؤه حتى صار لا يخلص بعضه إلى بعض فهو نجس لان المبسوط هو الماء النجس وقيل في الحوض الكبير وقعت فيه النجاسة ثم قل ماؤه حتى صار يخلص بعضه إلى بعض انه طاهر لان المجتمع هو الماء الطاهر هكذا ذكره أبو بكر الإسكاف واعتبر حالة الوقوع ولو وقع في هذا القليل نجاسة ثم عاوده الماء حتى امتلأ الحوض ولم يخرج منه شئ قال أبو القاسم الصفار لا يجوز التوضؤ به لأنه كلما دخل الماء فيه صار نجسا ولو أن حوضين صغيرين يخرج الماء من
(٧٢)