فوجود الماء وجملة الكلام فيه ان المتيمم إذا وجد الماء لا يخلو اما ان وجده قبل الشروع في الصلاة واما ان وجده في الصلاة واما ان وجده بعد الفراغ منها فان وجده قبل الشروع في الصلاة انتقض تيممه عند عامة العلماء وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه لا ينتقض التيمم بوجود الماء أصلا وجه قوله أن الطهارة بعد صحتها لا تنقض الا بالحدث ووجود الماء ليس بحدث (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال التيمم وضوء المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء أو يحدث جعل التيمم وضوء المسلم إلى غاية وجود الماء والممدود إلى غاية ينتهى عند وجود الغاية ولان التيمم خلف عن الوضوء ولا يجوز المصير إلى الخلف مع وجود الأصل كما في سائر الاختلاف مع أصولها وقوله وجود الماء ليس بحدث مسلم وعندنا أن المتيمم لا يصير محدثا بوجود الماء بل الحدث السابق يظهر حكمه عند وجود الماء الا انه لم يظهر حكم ذلك الحدث في حق الصلاة المؤداة ثم وجود الماء نوعان وجوده من حيث الصورة والمعنى وهو أن يكون مقدور الاستعمال له وأنه ينقض التيمم ووجوده من حيث الصورة دون المعنى وهو ان لا يقدر على استعماله وهذا لا ينقض التيمم حتى لو مر المتيمم على الماء الكثير وهو لا يعلم به أو كان غافلا أو نائما لا يبطل تيممه كذا روى عن أبي يوسف وكذا لو مر على ماء في موضع لا يستطيع النزول إليه لخوف عدو أو سبع لا ينتقض تيممه كذا ذكر محمد بن مقاتل الرازي وقال هذا قياس قول أصحابنا لأنه غير واجد للماء فكان ملحقا بالعدم وكذا إذا أتى بئرا وليس معه دلوا ورشا أو وجد ماء وهو يخاف على نفسه العطش لا ينتقض تيممه لما قلنا وكذا لو وجد ماء موضوعا في الفلاة في جب أو نحوه على قياس ما حكى عن أبي نصر محمد ابن محمد بن سلام لأنه معد للسقيا دون الوضوء الا أن يكون كثيرا فيستدل بالكثرة على أنه معد للشرب والوضوء جميعا فينتقض تيممه والأصل فيه ان كل ما منع وجوده التيمم نقض وجوده التيمم وما لا فلا ثم وجود الماء إنما ينقض التيمم إذا كان القدر الموجود يكفي للوضوء أو الاغتسال فإن كان لا يكفي لا ينقض عندنا وعند الشافعي قليله وكثيره ينقض والخلاف في البقاء كالخلاف في الابتداء وقد مر ذكره في بيان الشرائط وعلى هذا يخرج ما ذكره محمد في الزيادات لو أن خمسة من المتيممين وجدوا من الماء مقدار ما يتوضأ به أحدهم انتقض تيممهم جميعا لان كل واحد منهم قدر على استعماله على سبيل البدل فكان كل واحد منهم واجدا للماء صورة ومعنى فينتقض تيممهم جميعا ولان كل واحد منهم قدر على استعماله بيقين وليس البعض أولى من البعض فينتقض تيممهم احتياطا ولو كان لرجل ماء فقال أبحت لكم هذا الماء يتوضأ به أيكم شاء وهو قدر ما يكفي لوضوء أحدهم انتقض تيممهم جميعا لما قلنا ولو قال هذا الماء لكم لا ينتقض تيممهم باجماع بين أصحابنا اما على أصل أبي حنيفة فلان هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تصح فلم يثبت الملك رأسا واما على أصلهما فالهبة وان صحت وأفادت الملك لكن لا يصيب كل واحد منهم ما يكفي لوضوئه فكان ملحقا بالعدم حتى أنهم لو أذنوا لواحد منهم بالوضوء انتقض تيممه عندهما لأنه قدر على ما يكفي للوضوء وعنده الهبة فاسدة فلا يصح الاذن وعلى هذا الأصل مسائل في الزيادات مسافر محدث على ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم ومعه ما يكفي لأحدهما غسل به الثوب وتيمم للحدث عند عامة العلماء وروى الحسن عن أبي يوسف انه يتوضأ به وهو قول حماد ووجهه ان الحدث أغلظ النجاستين بدليل ان الصلاة مع الثوب النجس جائزة في الجملة للضرورة ولا جواز لها مع الحدث بحال (ولنا) ان الصرف إلى النجاسة يجعله مصليا بطهارتين حقيقية وحكمية فكان أولى من الصلاة بطهارة واحدة ويجب ان يغسل ثوبه من النجاسة ثم يتيمم ولو بدأ بالتيمم لا يجزيه وتلزمه الإعادة لأنه قدر على ماء ولو توضأ به تجوز به صلاته وان وجد الماء في الصلاة فان وجده قبل أن يقعد قدر التشهد الأخير انتقض تيممه وتوضأ به واستقبل الصلاة عندنا وللشافعي ثلاثة أقوال في قول مثل قولنا وفى قول يقرب الماء منه حتى يتوضأ ويبنى وفى قول يمضى على صلاته وهو أظهر أقواله ووجهه ان الشروع في الصلاة قد صح فلا يبطل برؤية الماء كما إذا رأى بعد الفراغ من الصلاة وهذا لان رؤية الماء ليس بحدث والموجود ليس الا الرؤية فلا تبطل
(٥٧)