فرجه بالماء ثم مال بيده إلى الحائط فدلكها بالتراب ثم توضأ وضوءه للصلاة غير غسل القدمين ثم أفاض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا ثم تنحى فغسل قدميه فالحديث مشتمل على بيان السنة والفريضة جميعا وهل يمسح رأسه عند تقديم الوضوء على الغسل ذكر في ظاهر الرواية انه يمسح وروى الحسن عن أبي حنيفة انه لا يمسح لان تسبيل الماء عليه بعد ذلك يبطل معنى المسح فلم يكن فيه فائدة بخلاف سائر الأعضاء لان التسبيل من بعد لا يبطل التسبيل من قبل والصحيح جواب ظاهر الرواية لان السنة وردت بتقديم الوضوء على الإفاضة على جميع البدن على ما روينا والوضوء اسم للمسح والغسل جميعا الا انه يؤخر غسل القدمين لعدم الفائدة في تقديم غسلهما لأنهما يتلوثان بالغسالات من بعد حتى لو اغتسل على موضع لا يجتمع الغسالة تحت قدمه كالحجر ونحوه لا يؤخر لانعدام معنى التلوث ولهذا قالوا في غسل الميت انه يغسل رجليه عند التوضئة ولا يؤخر غسلهما لان الغسالة لا تجتمع علي التخت ومن مشايخنا من استدل بتأخير النبي صلى الله عليه وسلم غسل الرجلين عند تقديم الوضوء على الإفاضة على أن الماء المستعمل نجس إذ لو لم يكن نجسا لم يكن للتحرج عن الطاهر معنى فجعلوه حجة أبي حنيفة وأبى يوسف على محمد وليس فيه كبير حجة لان الانسان كما يتحرج عن النجس يتحرج عن القذر خصوصا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والماء المستعمل قد أزيل إليه قذر الحدث حتى تعافه الطباع السليمة والله أعلم (واما) آدابه فما ذكرنا في الوضوء واما بيان مقدار الماء الذي يغتسل به فقد ذكر في ظاهر الرواية وقال أدنى ما يكفي في الغسل من الماء صاع وفي الوضوء مد لما روى عن جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فقيل له ان لم يكفنا فغضب وقال لقد كفى من هو خير منكم وأكثر شعرا ثم إن محمدا رحمه الله ذكر الصاع في الغسل والمد في الوضوء مطلقا عن الأحوال ولم يفسره قال بعض مشايخنا هذا التقدير في الغسل إذا لم يجمع بين الوضوء والغسل فاما إذا جمع بينهما يحتاج إلى عشرة أرطال رطلان للوضوء وثمانية أرطال للغسل وقال عامة المشايخ ان الصاع كاف لهما وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال في الوضوء إن كان المتوضئ متخففا ولا يستنجى يكفيه رطل واحد لغسل الوجه واليدين ومسح الرأس، إن كان متخففا ويستنجي يكفيه رطلان رطل للاستنجاء ورطل للباقي ثم هذا التقدير الذي ذكره محمد من الصاع والمد في الغسل والوضوء ليس بتقدير لازم بحيث لا يجوز النقصان عنه أو الزيادة عليه بل هو بيان مقدار أدنى الكفاية عادة حتى أن من أسبغ الوضوء والغسل بدون ذلك أجزأه وان لم يكفه زاد عليه لان طباع الناس وأحوالهم تختلف والدليل عليه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بثلثي مد لكن ينبغي ان يزيد عليه بقدر ما لا اسراف فيه لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على سعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ ويصبب صبا فاحشا فقال إياك والسرف فقال أو في الوضوء سرف قال نعم ولو كنت على صفة نهر جار وفي رواية ولو كنت على شط بحر (واما) صفة الغسل فالغسل قد يكون فرضا وقد يكون واجبا وقد يكون سنة وقد يكون مستحبا اما الغسل الواجب فهو غسل الموتى وأما السنة فهو غسل يوم الجمعة ويوم عرفة والعيدين وعند الاحرام وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى وههنا نذكر المستحب والفرض (اما) المستحب فهو غسل الكافر إذا أسلم لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل من جاءه يريد الاسلام وأدنى درجات الامر الندب والاستحباب هذا إذا لم يعرف انه جنب فاسلم فاما إذا علم كونه جنبا فاسلم قبل الاغتسال اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يلزمه الاغتسال أيضا لان الكفار غير مخاطبين بشرائع هي من القربات والغسل يصير قربة بالنية فلا يلزمه وقال بعضهم يلزمه لان الاسلام لا ينافي بقاء الجنابة بدليل انه لا ينافي بقاء الحدث حتى يلزمه الوضوء بعد الاسلام كذا الجنابة وعلى هذا غسل الصبي والمجنون عند البلوغ والإفاقة (وأما) الغسل المفروض فثلاثة الغسل من الجنابة والحيض والنفاس اما الجنابة فلقوله تعالى وان كنتم جنبا فاطهروا أي اغتسلوا وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا
(٣٥)