الجنابة (ولنا) ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحجزه شئ عن قراءة القرآن الا الجنابة وعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن وما ذكر من الاعتبار فاسد لان أحد الحدثين حل الفم ولم يحل الآخر فلا يصح اعتبار أحدهما بالآخر ويستوى في الكراهة الآية التامة وما دون الآية عند عامة المشايخ وقال الطحاوي لا بأس بقراءة ما دون الآية والصحيح قول العامة لما روينا من الحديثين من غير فصل بين القليل والكثير ولان المنع من القراءة لتعظيم القرآن ومحافظة حرمته وهذا لا يوجب الفصل بين القليل والكثير فيكره ذلك كله لكن إذا قصد التلاوة فاما إذا لم يقصد بان قال باسم الله لافتتاح الاعمال تبركا أو قال الحمد لله للشكر لا بأس به لأنه من باب ذكر اسم الله تعالى والجنب غير ممنوع عن ذلك وتكره قراءة القرآن في المغتسل والمخرج لان ذلك موضع الأنجاس فيجب تنزيه القرآن عن ذلك وأما في الحمام فتكره عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد لا تكره بناء على أن الماء المستعمل نجس عندهما فأشبه المخرج وعند محمد طاهر فلا تكره ولا يباح للجنب دخول المسجد وان احتاج إلى ذلك يتيمم ويدخل سواء كان الدخول لقصد المكث أو للاجتياز عندنا وقال الشافعي يباح له الدخول بدون التيمم إذا كان مجتازا واحتج بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا قيل المراد من الصلاة مكانها وهو المسجد كذا روى عن ابن مسعود وعابر سبيل هو المار يقال عبر أي مر نهى الجنب عن دخول المسجد بدون الاغتسال واستثنى عابري السبيل وحكم المستثنى يخالف حكم المستثنى يخالف حكم المستثنى منه فيباح له الدخول بدون الاغتسال (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال سدوا الأبواب فانى لا أحلها لجنب ولا لحائض والهاء كناية عن المساجد نفى الحل من غير فصل بين المجتاز وغيره وأما الآية فقد روى عن علي وابن عباس رضي الله عنهما ان المراد هو حقيقة الصلاة وان عابر السبيل هو المسافر الجنب الذي لا يجد الماء فيتيمم فكان هذا إباحة الصلاة بالتيمم للجنب المسافر إذا لم يجد الماء وبه نقول وهذا التأويل أولى لان فيه بقاء اسم الصلاة على حالها فكان أولى أو يقع التعارض بين التأويلين فلا تبقى الآية حجة له ولا يطوف بالبيت وان طاف جاز مع النقصان لما ذكرنا في المحدث الا ان النقصان مع الجنابة أفحش لأنها أغلظ ويصح من الجنب أداء الصوم دون الصلاة لأن الطهارة شرط جواز الصلاة دون الصوم ويجب عليها كلاهما حتى يجب عليه قضاؤهما بالترك لان الجنابة لا تمنع من وجوب الصوم بلا شك ويصح أداؤه مع الجنابة ولا يمنع من وجوب الصلاة أيضا وإن كان لا يصح أداؤها مع قيام الجنابة لان في وسعه رفعها بالغسل قبل أن يتوضأ ولا بأس للجنب ان ينام ويعاود أهله لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ويتوضأ وضوءه للصلاة وله ان ينام قبل ان يتوضأ وضوءه للصلاة لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء ولان الوضوء ليس بقربة بنفسه وإنما هو الأداء الصلاة وليس في النوم ذلك وان أراد أن يأكل أو يشرب فينبغي أن يتمضمض ويغسل يديه ثم يأكل ويشرب لان الجنابة حملت الفم فلو شرب قبل ان يتمضمض صار الماء مستعملا فيصير شاربا الماء المستعمل ويده لا تخلو عن نجاسة فينبغي ان يغسلها ثم يأكل وهل يجب على الزوج ثمن ماء الاغتسال اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يجب سواء كانت المرأة غنية أو فقيرة غير أنها إن كانت فقيرة يقال للزوج اما ان تدعها حتى تنتقل إلى الماء أو تنقل الماء إليها وقال بعضهم يجب وهو قول الفقيه أبى الليث رحمه الله لأنه لا بد لها منه فنزل منزلة الماء الذي للشرب وذلك عليه كذا هذا (وأما) الحيض فلقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن أي يغتسلن ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة دعى الصلاة أيام أقرائك أي أيام حيضك ثم اغتسلي وصلى ولا نص في وجوب الغسل من النفاس وإنما عرف باجماع الأمة ثم اجماع الأمة يجوز أن يكون بناء على خبر في الباب لكنهم تركوا نقله اكتفاء بالاجماع عن نقله لكون الاجماع أقوى ويجوز انهم قاسوا على دم الحيض لكون كل واحد منهما دما خارجا من الرحم فبنوا الاجماع على القياس إذ الاجماع
(٣٨)