يقوم مقام المسبب خصوصا في موضع الاحتياط ولا غسل فيما دون الفرج بدون الانزال وكذا الايلاج في البهائم لا يوجب الغسل ما لم ينزل وكذا الاحتلام لان الفعل فيما دون الفرج وفي البهيمة ليس نظير الفعل في فرج الانسان في السببية وكذا الاحتلام فيعتبر في ذلك كله حقيقة الانزال (وأما) المختلف فيه (فمنها) ان ينفصل المنى لا عن شهوة ويخرج لا عن شهوة بان ضرب على ظهره ضربا قويا أو حمل حملا ثقيلا فلا غسل فيه عندنا وعند الشافعي فيه الغسل واحتج بما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الماء من الماء أي الاغتسال من المنى من غير فصل (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل عن المرأة ترى في المنام يجامعها زوجها فقال صلى الله عليه وسلم أتجد لذة فقيل نعم فقال عليها الاغتسال إذا وجدت الماء ولو لم يختلف الحكم بالشهوة وعدمها لم يكن للسؤال عن اللذة معنى ولان وجوب الاغتسال معلق بنزول المنى وأنه في اللغة اسم للمنزل عن شهوة لما نذكر في تفسير المنى وأما الحديث فالمراد من الماء الماء المتعارف وهو المنزل عن شهوة لانصراف مطلق الكلام إلى المتعارف (ومنها) ان ينفصل المنى عن شهوة ويخرج لا عن شهوة وانه يوجب الغسل في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يوجب فالمعتبر عندهما الانفصال عن شهوة وعنده المعتبر هو الانفصال مع الخروج عن شهوة وفائدته تظهر في موضعين أحدهما إذا احتلم الرجل فانتبه وقبض على عورته حتى سكنت شهوته ثم خرج المنى بلا شهوة والثاني إذا جامع فاغتسل قبل ان يبول ثم خرج منه بقية المنى وجه قول أبى يوسف ان جانب الانفصال يوجب الغسل وجانب الخروج ينفيه فلا يجب مع الشك ولهما انه إذا احتمل الوجوب والعدم فالقول بالوجوب أولى احتياطا (ومنها) انه إذا استيقظ فوجد على فخذه أو على فراشه بللا على صورة المذي ولم يتذكر الاحتلام فعليه الغسل في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يجب وأجمعوا انه لو كان منيا ان عليه الغسل لأن الظاهر أنه عن احتلام وأجمعوا انه إن كان وديا لا غسل عليه لأنه بول غليظ وعن الفقيه أبى جعفر الهندواني انه إذا وجد على فراشه منيا فهو على اختلاف وكان يقيسه على ما ذكرنا من المسئلتين وجه قول أبى يوسف ان المذي يوجب الوضوء دون الاغتسال ولهما ما روى امام الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدي السمرقندي باسناده عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا رأى الرجل بعد ما ينتبه من نومه بلة ولم يذكر احتلاما اغتسل وان رأى احتلاما ولم ير بلة فلا غسل عليه وهذا نص في الباب ولان المنى قد يرق بمرور الزمان فيصير في صورة المذي وقد يخرج ذائبا الفرط حرارة الرجل أو ضعفه فكان الاحتياط في الايجاب ثم المنى خائر أبيض ينكسر منه الذكر وقال الشافعي في كتابه ان له رائحة الطلع والمذي رقيق يضرب إلى البياض يخرج عند ملاعبة الرجل أهله والودي رقيق يخرج بعد البول وكذا روى عن عائشة رضي الله عنها انها فسرت هذه المياه بما ذكرنا ولا غسل في الودي والمذي اما الودي فلانه بقية البول وأما المذي فلما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال كنت فحلا مذاء فاستحييت ان أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته تحتي فأمرت المقداد بن الأسود رضي الله عنه فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل فحل يمذي وفيه الوضوء نص على الوضوء وأشار إلى نفى وجوب الاغتسال بعلة كثرة الوقوع بقوله كل فحل يمذي (وأما) الأحكام المتعلقة بالجنابة فما لا يباح للمحدث فله من مس المصحف بدون غلافه ومس الدراهم التي عليها القرآن ونحو ذلك لا يباح للجنب من طريق الأولى لان الجنابة أغلظ الحدثين ولو كانت الصحيفة على الأرض فأراد الجنب ان يكتب القرآن عليها روى عن أبي يوسف انه لا بأس لأنه ليس بحامل للصحيفة والكتابة توجد حرفا حرفا وهذا ليس بقرآن وقال محمد أحب إلى أن لا يكتب لان كتابة الحروف تجرى مجرى القراءة وروى عن أبي يوسف انه لا يترك الكافران يمس المصحف لان للكافر نجس فيجب تنزيه المصحف عن مسه وقال محمد لا بأس به إذا اغتسل لان المانع هو الحدث وقد زال بالغسل وإنما بقي نجاسة اعتقاده وذلك في قلبه لا في يده ولا يباح للجنب قراءة القرآن عند عامة العلماء وقال مالك يباح له ذلك وجه قوله إن الجنابة أحد الحدثين فيعتبر بالحدث الآخر وانه لا يمنع من القراءة كذا
(٣٧)